أحبّ البحر.. عشق صمته.. صخبه.. فصاغ من زبد أمواجه.. وهدوئه قصائد تنضح حياة وتكتب الوطن والعواطف النبيلة.. قرقنة هي مسقط الرأس ومن عطرها البحري انطلق في التأثيث لمسيرة شعرية لها طابع خصوصي.. جعلت منه «شاعر الجزيرة». تونس (الشروق) يقول محمد السويسي: «حطّ ركبي بالساحة الثقافية منذ عشرين سنة، ولدت شاعرا على شاطئ البحر بجزيرة قرقنة.. بحرها أودع في خلدي بذرة الشعر.. لذا فإن صلتي بالبحر هي ظاهرة وباطنة في أشعاري، أحلم بجزيرة ليست قرقنة وإنما هي (أي قرقنة) جزء منها.. هذه الجزيرة هي كوني الشعري المبثوث في قصائدي البحرية منها خاصة». شاعر الجزيرة يصمت محمد السويسي لحظات ليواصل: «قصائدي التي صغتها من صمت البحر وهيجانه من غموضه وأمواجه.. من حالات صفاء مياهه وتعكّرها.. لعل هذا السبب مثّل دافعا للساحة الثقافية بأن تطلق عليّ لقب «شاعر الجزيرة»». هل تعتبر نفسك فعلا شاعر الجزيرة؟ لا أعتقد أن هذا الحلم سيتحقّق لأن مطالبي في أشعاري عسيرة بالرجوع الى قصيدي «صَفْنُو» الذي أقول فيه: «مناي أعود صبيّا صغيرا وأدخل صَفْنُو وألعب فيه وأنظم في بحره صدفاتي وأهدي محاري لمن يشتهيه مناي جزيرة حبّي كصفْنُو تعيش على الهجر رغم الهيام فكم قتل الوصل من عاشق وبرّح قلبه بين الأنام مناي يعود لنا الشعراء وتعلو القصيدة عرش البشر هو الشعر ذكر وقرآن فجر وهل يفهم الشعر رهط النفر» كأني بك تحنّ الى عهد مضى؟
ليس الأمر كذلك.. إنه البحر السّاكن في وجداني فمحمد السويسي أستاذ في مادة اللغة العربية طيلة 36 سنة، أنتجت 3 برامج لفائدة إذاعة صفاقس لها علاقة بالبحر.. لكن المؤلم أن هذه البرامج الثلاثة تمّ إبعادي قسرا عنها وأسندت الى أشخاص آخرين بعد تغيير في عناوينها مع المحافظة على ذات المضمون وهذه البرامج الثلاثة هي: «هدير البحر»، «قصيد وشاعر»، «بيت القصيد».. وهي برامج لها صلة بالخطاب الشعري إنتاجا ونقدا. لماذا تمّ إبعادك؟ إنه إبعاد تعسّفي لرفضي الإملاءات والضغوط وقد اخترت العمل في صمت بعيدا عن الأضواء وأنا سعيد بما أصدرته الى حدّ الآن من دواوين شعرية وعددها 5 من ضمنها «هديل البحر» و«هديل ا لأرخبيل» و«يا قرقنة يا قرقارة» عن الأخلاء. محمد السويسي.. أسّس في قرقنة تظاهرة «سفينة الشعراء» كيف تقدّم لنا خصوصيات هذه التظاهرة؟ في البداية أشير أنني رئيس اللجنة الثقافية بقرقنة منذ 15 سنة وفي صلبها جاءت الجمعية القيرانيسية التاريخية للأداب والفنون البحرية منذ 2003 ومنها جاءت تظاهرة سفينة الشعراء التي نظمت الى حدّ الآن 9 دورات بموارد وإمكانيات مادية شخصية علاوة على أنني عملت على توفير مقر اجتماعي هو عبارة عن ملحق خاص بمقر سكناي ويتوفر على مكتبة خاصة بي هو مجهّز بآخر ما أنتجته الاعلامية (الحاسوب والانترنات).
وأؤكد أن السفينة لم تتلقّ أي دعم من أي جهة لا محليا ولا وطنيا.. هذه السفينة استطاعت الانتصار على كل الصعوبات لطابعها الخصوصي على اعتبار أن برنامجها الثقافي يتمّ تنفيذه في عرض البحر.
هل من توضيح أكثر؟
هذه التظاهرة عبارة عن فضاء عائم يستقبل الشعراء من داخل الجمهورية لتنطلق بهم السفينة في رحلة سياحة وثقافة وصيد بحري في عرض البحر.. يتمّ إنزال الشعراء في جزر غير مأهولة للشعر والابداع، هذه السفينة أسّست لملتقى قرقنة لأدب البحر ومن أنشطتها ملتقى الشاعر مصطفى الحبيب بحري كما أن للأطفال نصيبهم من خلال منتدى الطفل لاكتشاف المواهب وتشجيعها حيث ننتقل بين المدارس الابتدائية لاكتشاف المواهب والاحتفاء بهم وتكريمهم على عين المكان.
نشاط إبداعي متنوع.. محطات كثيرة على مدى مسيرته.. ما هي المحطة الابداعية التي لها مكانة خاصة في ذاكرة شاعر الجزيرة؟
أعتزّ بكوني من مؤسسي ملتقى هواة الأدب الى جانب الشاعر الكبير أحمد اللغماني وهو أول ملتقى أدبي شبابي ينتظم على الساحة الوطنية وكان ذلك برادس في صيف 1963 ومنه انطلقت التظاهرات والمهرجانات الأدبية. جوائز وتكريمات
ولا بدّ من الاشارة في هذا الاتجاه أن محمد السويسي شاعر الجزيرة له في رصيده عديد الجوائز والتكريمات الجهوية والمحلية منها المهرجان الدولي للفنون التشكيلية بالمحرس 1998 والأيام الشعرية محمد البقلوطي في دورتها الثانية.. يؤكد محمد السويسي أنه يعيش كالسمكة لا يخشى الغرق وأمنيته أن يدفن في البحر الذي غرق فيه والده لأجل أن تحيى العائلة.