يعد صعود الإخوان المسلمين إلى سدة الرئاسة في مصر وانتصارهم في انتخابات تونس والمغرب تتويجا لتاريخ سياسي طويل بدأ ذات يوم في مدينة الإسماعيلية في مصر. تعددت الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر مع بداية القرن الماضي إلى درجة دفعت بالشارع المصري إلى التحرك على عديد الجبهات وضد أكثر من عدو.
هذا الحراك السياسي أفرز عديد الحركات والتنظيمات التي سعت كلها الى تخليص مصر من عدوين هما الملك فؤاد والإستعمار البريطاني ومن هذه الحركات حزب الوفد والحزب الشيوعي المصري وحركة الإخوان المسلمين التي نشأت أصلا حتى لا تترك المجال فسيحا أمام التيار الليبرالي الذي يتزعمه حزب الوفد والتيار اليساري بزعامة الحزب الشيوعي المصري. ولم يكن سهلا على جماعة الاخوان المسلمين الانطلاق في نشاطهم من القاهرة العاصمة المصرية حيث كان يسيطر على جامع الأزهر أيّمة مقرّبون من القصر الملكي، بل كانوا يعيّنون بتوصية من الملك فؤاد شخصيا.
هذا الأمر دفع بأحد الشيوخ المعارضين لأيّمة جامع الأزهر إلى الابتعاد عن العاصمة القاهرة والاستقرار بمدينة الاسماعيلية حيث بدأ حملته ضدّ «إسلام الأزهر» ومبشرّا بالعودة الى الأصل وعلى مدى عشر سنوات تمكن الشيخ حسن البنّا من تعبئة العشرات من شباب مدينة الاسماعيلية وتكوينهم بغية مباشرة عمل حلقي داخل المساجد والترويج لفكرة الاخوان المسلمين كجمعيّة دينية تهدف إلى التمسك بالدين وبأخلاقياته ليتم الإعلان عن ميلاد جماعة الإخوان المسلمين سنة 1928 وعلى مدى أربع سنوات بلور حسن البنّا مشروعه مستغلا ضعف الملك وانشغال الانقليز بالأزمة الاقتصادية التي كانت تهدد استقرار بريطانيا بأكملها لينتقل بنشاط الجماعة من الاسماعيلية إلى القاهرة.
لم يكن استقرار الشيخ وجماعته بالقاهرة أمرا سهلا فقد تصدى له «الاسلام الرسمي» والانقليز الذين حاولوا الضغط على الملك فؤاد من أجل اصدار مرسوم يقضي بمنع نشاط جماعة الاخوان المسلمين لكن الأوضاع الاجتماعية المتردية دفعت بفؤاد إلى المهادنة خوفا من ردّ فعل أنصار الجماعة الذين أصبحوا يتزايدون يوما بعد يوم. وفي سنة 1938 عرضت الجماعة حلاّ لأول مرّة هو مشروعها السياسي الذي أقرّ وجودهم كقوة سياسية واعتبر حسن البنّا هذا المشروع بمثابة الحل لكافة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها مصر وأقرّت القرآن دستورا للبلاد والقومية الإسلامية بديلا للقومية المصرية.
وفي ذات السنة أي 1938 تمّت إعادة تعيين حسن البنّا مرشدا عاما لجماعة الإخوان المسلمين في مصر الذي رفض في رسالة وجهها إلى كافة ملوك وبايات الدول العربية والإسلامية نظام حكمهم وطالبهم بحل الأحزاب السياسية واعتماد القرآن والسنة كدستور ونظام إجتماعي لبلدانهم.
ومثلت حرب فلسطين الأولى سنة 1948 منعرجا حاسما في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين الذين تحولوا إلى قوة مسلحة بعد عودة مقاتليهم من الجبهة. ورغم محاولات الملك فاروق حل الجماعة سنة 1951 ومصادرة ممتلكاتهم إلا أن مجلس الدولة المصرية أصدر قرارا يؤكد شرعية نشاطهم لتنتهي الأزمة باغتيال حسن البنّا قبيل بداية ثورة جويلية 1952 وصعود الضباط الأحرار إلى الحكم في مصر.
الإخوان وجمال عبد الناصر
سعى المرشد العام الجديد حسن الهضيبي الذي خلف حسن البنّا إلى التقرب من القيادة الجديدة للثورة المصرية وكتب إلى جمال عبد الناصر مطمئنا:«إن الإخوان جمعية دينية دعوية وإن أعضاءها وأنصارها لا يعملون في المجال السياسي».
هذا الخطاب الجديد للجماعة دفع بالضباط الأحرار إلى ترك الإخوان المسلمين ينشطون رغم صدور قانون 1953 الذي منع نشاط كل الأحزاب السياسية. لكن الخلاف الذي نشب بين الضباط الأحرار أنفسهم سنة 1955 الذين رأى شقّ منهم بقيادة محمد نجيب أن دور الضباط انتهى وعليهم العودة إلى الثكنات وإعادة الحكم إلى المدنيين سوف يعيد الإخوان المسلمين إلى الواجهة بعد مساندتهم للرئيس محمد نجيب ليقرر جمال عبد الناصر حل الجماعة واعتقال قياداتهم وإعدام المرشد العام عبد القادر عودة ونائبه محمد فرغلي ليتشكل جيل جديد من القيادات تزعمه سيد قطب الذي أعدم بدوره سنة 1966 بعد محاولة اغتيال إستهدفت جمال عبد الناصر شخصيا .
الإخوان والسادات ومبارك
رغم هامش الحرية الذي منحه الرئيس أنور السادات لجماعة الإخوان المسلمين إلا أنهم أمروا باغتياله في أكتوبر 1981 بعد إمضائه على معاهدة كامب دافيد والتطبيع مع إسرائيل ليخلفه الرئيس حسني مبارك الذي إتبع سياسة المصالحة والمهادنة مع الجماعة الأمر الذي مكنهم من خوض انتخابات سنة 2005 والفوز ب88 مقعدا بالبرلمان المصري وهاهم اليوم يفوزون بالرئاسة ليواجهوا من جديد العسكر الذي حال دائما دونهم والإستفراد بالحكم.