اثار تسليم الحكومة التونسية للوزير الاول الليبي في عهد القذافي، البغدادي المحمودي ردة فعل رافضة وناقدة من قبل رجال القانون وأهل الاختصاص الذين اكدوا تجاوزها لصلاحيات رئيس الدولة، مما جعل رئيس رابطة حقوق الانسان يوجه رسالة إلى المرزوقي قائلا له أليست الاستقالة افضل من الإقالة؟ كل الذين تحدثنا اليهم مثل الاستاذ مختار الطريفي الرئيس السابق لرابطة حقوق الانسان والمحامي ومثل الاستاذ عبد الناصر العويني المحامي المختص في القانون الدولي والحصانة والأستاذ خالد الكريشي المحامي وغيرهم استندوا الى الفصل 324 من مجلة الإجراءات الجزائية. والذي ينص صراحة «... اذا تقرر منح التسليم يعرض كاتب الدولة للعدل على إمضاء رئيس الجمهورية أمرا يقضي بذلك» وبالتالي فان النص واضح في خصوص سلطة رئيس الجمهورية على قرار الإمضاء الا ان الاستاذ سيف الدين مخلوف المحامي الذي قال انه ضد قرار التسليم كان يجادل من قبيل الجدل مع بقية زملائه بالقول ان القانون المؤقت المنظم للسلط يعطي سلطة الامر الترتيبي لرئيس الحكومة وانتزعها لرئيس الجمهورية وبالتالي فإنه بإمكان رئيس الحكومة اصدار امر بالتسليم والامضاء عليه
وكان رئيس الحكومة قد طلب استشارة من الرئيس الاول للمحكمة الادارية السيدة روضة المشيشي التي أكدت حق رئيس الحكومة في إمضاء قرار التسليم باعتبار ان القانون المنظم للسلط المؤقتة يعطي سلطة الامر لرئيس الحكومة ويعطي لرئيس الجمهورية سلطة اصدار القرار الجمهوري
مع الاشارة الى ان الرئيس الاول للمحكمة الادارية يتم تعيينه من قبل رئيس الحكومة وقد اثار تعيين القاضية روضة المشيشي اثناء حكومة السبسي انتقادات حادة مما أدى الى انقسام لاول مرة في تاريخ هذه المحكمة بين قضاة المحكمة الادارية ويطالب القضاة بضرورة الفصل بين المحكمة الادارية والسلطة التنفيذية لان رئيس الحكومة هو رئيس المجلس الاعلى للمحكمة الادارية وبالتالي فإن طلب رئيس الحكومة من الرئيس الاول لهذه المحكمة تقديم استشارة قد لا يعني بالضرورة اصدار قرار مستقل باعتبار التبعية الادارية وباعتبار القدرة على التعيين وبالتالي الإقالة
الاختصاص الحصري لرئيس الجمهورية ويرى اهل الاختصاص ان التنقيح الاخير لمجلة الإجراءات الجزائية يتضمن عدم التسليم اذا كان يخشى من تعرض المتهم الذي سيتم تسليمه للتعذيب وهذا يدخل في اطار مصادقة الجمهورية التونسية على البروتوكول الإضافي للاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب
كما ينص الفصل 324 من مجلة الإجراءات الجزائية على انه « اذا لم يتسلم أعوان الدولة الطالبة الشخص المطلوب تسليمه في ظرف شهر من تاريخ الاعلام بأمر التسليم فإنه يخلى سبيله ولا يمكن بعدئذ طلب تسليمه لأجل السبب نفسه»
وكانت دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس قد قضت منذ نوفمبر 2011 تسليم البغدادي المحمودي وبالتالي فان تسليمه في جوان 2012 يكون خارج الأجل المنصوص عليه بالقانون، وهنا يتساءل المراقبون هل يليق بحكومة في زمن الثورة ان تخرق القوانين؟
رابطة حقوق الانسان تحمل الحكومة المؤقتة المسؤولية
رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان العميد عبدالستار بن موسى قال ان تسليم المحمودي هو قرار ظالم وفيه خرق لأبسط قواعد حقوق الانسان والمعاهدات الدولية فضلا عن خرق الاتفاقية الثنائية بين تونس وليبيا التي تفرض إجراءات معينة عند التسليم لم يتم احترامها في حالة البغدادي المحمودي اضافة الى خرق الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب فضلا عن التعدي الصارخ على صلاحيات رئيس الجمهورية وردا على الموقف القائل بأن القانون المؤقت المنظم للسلط أعطى سلطة اصدار الأوامر لرئيس الحكومة وانتزعها من رئيس الجمهورية قال انه لم يتم الغاء مجلة الاجراءات الجزائية ولم يتم تنقيحها اضافة الى ان الاجراءات لا تخضع للتأويل الا لفائدة المتهم ويضيف رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان اعرق منظمة حقوقية عربيا وأفريقيا ، ان قرار التسليم استند الى تقرير لجنة، رفضت أنا بصفتي رئيس الرابطة المشاركة فيها بعد ان تمت دعوتي خشية ان تمثل ذريعة لاتخاذ القرار، وقال ان تقرير اللجنة لم يصدر الى حد الان.
ويشار الى انه تم تكليف لجنة لتقديم تقرير حول امكانية توفر شروط المحاكمة العادلة وعدم تعرض المطلوب للتعذيب، وتتكون هذه اللجنة من سمير بن عمر المستشار لدى رئيس الجمهورية والهاشمي جغام الرئيس السابق لفرع منظمة العفو الدولية بتونس ومصطفى اليحياوي عن وزارة العدل وعبد الرزاق الكيلاني الوزير المكلف بالعلاقة بين الحكومة والمجلس التأسيسي وحسب رئيس رابطة حقوق الانسان فان اللجنة لم تصدر تقريرها بعد وبالتالي يتساءل على اي اساس تم تسليم المحمودي؟
المحاكمة العادلة
ويجيب ردا على رفض الرابطة التسليم رغم ان المحمودي متهم في قضايا التحريض على الاغتصاب وجرائم خطيرة متعلقة بممارسات نظام القذافي قال نحن لسنا ضد التسليم ولكن كل تقارير المنظمات الدولية حقوقية مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة اللاجئين تؤكد عدم توفر شروط المحاكمة العادلة وتؤكد بان ليبيا ليست مكانا آمنا بالإجماع وقد تم توجيه مراسلات الى رئيس الجمهورية لمطالبته بعدم التسليم لوجود خطر على حياة المحمودي.
وأضاف ان المحمودي نفسه ليس ضد محاكمته ولكنه يخشى على حياته اذا تم تسليمه في الظروف الراهنة والخشية من الانتقام فضلا عن ان الوضع في ليبيا غير مستقر على الاطلاق وأضاف بن موسى ان الرابطة تحمل كل المسؤولية للحكومة التونسية المؤقتة، التي سلمت المحمودي الى حكومة غير شرعية ، على كل ما يمكن ان ينتج عن هذا القرار سواء المس من سلامة التراب الوطني وسلامة مواطنينا في ليبيا، وقال أيضاً نحمل الحكومة المؤقتة المسؤولية كاملة على اي مكروه قد يصيب البغدادي المحمودي وأضاف كان من الافضل ان يتم الوفاق بين الرؤساء الثلاثة واذا لم يتفقوا يمكنهم عرض الامر على المجلس التأسيسي.
رسائل الى الرؤساء الثلاثة
سألها رئيس الرابطة عن الرسالة التي يمكن ان يوجهها الى الرؤساء الثلاثة فقال بالنسبة الى حمادي الجبالي اقول له ان الحكومة هذه ارتكبت خطا جسيما اما عن المنصف المرزوقي فأقول له يا خيبة المسعى لقد جردوك من صلاحياتك ... أليست الاستقالة افضل من الإقالة
اما الرسالة الى مصطفى بن جعفر فهي في شكل سؤال وهو اين أنتم من رقابة المجلس التأسيسي لأعمال وتصرفات الحكومة. إذن يجمع جل رجال القانون والحقوقيين على ان الحكومة بتسليمها للبغدادي المحمودي قد ارتكبت خطأ جسيما فضلا عن تجاوزها لصلاحيات رئيس الجمهورية الذي لم يكن على علم بالقرار فهل يقبل المنصف المرزوقي المناضل الحقوقي العنيد والرئيس السابق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان ان يوضع في هذا الموضع الذي جعل الكل ينظر اليه بعين غير عين الاحترام الاولى؟