عادت الأحداث تتسارع من جديد وبدا كأنّ خلطا جديدا لأوراق اللعبة السياسيّة في طريقه إلى التجسّد والتحقّق، ذلك أنّه من المؤكّد أنّ الفاعلين السياسيين اختاروا مرّة أخرى اللعب بالمخفيات وتبادل الإيحاءات والرموز والخوض في تكتيكات واختبارات لهذا الخصم أو ذاك في سياق أجندات عمل متضاربة ومتشابكة عكست من جديد توتّرا في العلاقة داخل ترويكا الحكم من جهة وبين هذه الأخيرة والمعارضة من جهة ثانية. شهدت بداية هذا الأسبوع عدّة أحداث من أبرزها إقدام الحكومة على تسليم البغدادي المحمودي إلى السلطات الليبيّة، ونشوب أزمة صلاحيات بين رئاستي الحكومة والجمهوريّة على خلفية التسليم، وبحث المعارضة توجيه لائحة لوم إلى الحكومة وسعيها إلى إيجاد صيغة لسحب الثقة من الحكومة وقرار إقالة محافظ البنك المركزي ورفض الرئيس المرزوقي إمضاء قانونين يهمان علاقة الدولة التونسية بصندوق النقد الدولي.
كلّ المؤشرات تؤكّد أنّ طبخة جديدة بصدد الإعداد وأنّ الحياة السياسيّة منفتحة على أفق جديد قد يُعيد لا فقط رسم حدود التوتّر والصراع أو الحوار والتواصل بين السلطة والمعارضة بل كذلك طبيعة العلاقة بين مكوّنات الترويكا أي النهضة والمؤتمر والتكتّل.
لا يعلمُ المتابعون المدى الّذي ستصل إليه مشاورات مختلف الأطراف لكن حجم ما حدث من تصريحات ومواقف يؤشّر أنّ الحياة السياسية باتت أكثر من أيّ وقت مضى في حاجة إلى مستقرّ تنتهي فيه حالات التوتّر والصدام ويوفّر الطمأنينة للناس، مستقرّ تُمسك فيه أجهزة الدولة كما يجب بشؤون البلاد بما يُعيد إلى الأمن وقاره ويمنح الاقتصاد قدرة على التحرّك والنشاط ويخفّض من مظاهر الفوضى والتعدّي على القانون ويسمحُ بإنجاح موسم السياحة والأفراح والنجاحات ويُمهّد الطريق لعلاقة جديدة بين مكونات الترويكا وبينها والمعارضة.
قد لا تحتملُ أوضاع البلاد أكثر ممّا عرفتهُ في الأشهر الأخيرة وهي تحتاج أكثر ما تحتاجُ إلى غياب كلّ الطلاسم ورفع الغطاء عمّا يدور في الكواليس وإعلام الناس بحقيقة الخلافات والتجاذبات الموجودة، فالهدوء مطلوب اليوم وأوّل القادرين على توفير ذلك الهدوء هم الفاعلون السياسيّون في السلطة والمعارضة.