مازالت تداعيات معرض ربيع الفن في العبدلية متواصلة فبعد سلسلة القضايا التي رفعتها نقابة مهن الفنون التشكيلية عقد اتحاد الفنانين التشكيليين امس ندوة حول شرعية الناقد . احتضنت المكتبة الوطنية صباح امس ندوة بعنوان «شرعية الناقد في الفنون التشكيلية» دعا اليها اتحاد الفنانين التشكيليين بحضور عدد من النقاد والفنانين واساتذة المعاهد العليا للفنون الجميلة .
هذه الندوة التي ادارها الاستاذ عبد العزيز كريد تندرج ضمن شهر الفنون التشكيلية الذي ينظمه الاتحاد منذ اول شهر جوان وقال الفنان المنجي معتوق رئيس الاتحاد ان هذه الندوة التي كانت مبرمجة قبل الاحداث المؤسفة التي جدت في العبدلية الا انها تتزامن مع مرحلة حرجة بالنسبة للفن التشكيلي في تونس ولمستقبل الفنون بشكل عام والحريات .
معتوق قال إن الفنانين وجدوا انفسهم حطبا لمعركة سياسية وعليهم ان يتوحدوا من اجل الدفاع عن الفن والحرية واستقلالية الفنان التي تبقى الضمان الحقيقي لاستمرار المهن الفنية في البلاد .
إدانة
الدكتور عفيف البوني استاذ تاريخ الافكار والجماليات في الجامعة التونسية ورئيس الرابطة التونسية للدفاع عن الحريات الاكاديمية والابداعية اعتبر ان شرعية الناقد اليوم مهددة بالانتصاب الفوضوي لبعض «الفقهاء»الذين يفتون في كل شئ دون معرفة ولا زاد علمي ودعا السياسيين ورجال الدين الى رفع يدهم عن الفن والفنانين واكد انه يستغرب ان يبدي رئيس حزب سياسي رأيه في معرض فني ويدعو انصاره الى الاحتجاج بدعوى الدفاع عن المقدسات التي لم يمسها احد من الفنانين وقال انه من واجب الاحزاب السياسية ان تبحث عن حلول واقتراحات لمعضلة الفقر والبطالة والتهميش التي قامت بسببها الثورة واعتبر البوني ان الثوار الحقيقيين هم الفنانون والعلماء الذين راكموا تجارب شعوبهم من اجل توفير الارضية لقيام الثورات .
الخطر
الدكتور عفيف البوني اعتبر ان تضمين الدستور فصلا يجرم المس بالمقدسات خطر على مدنية الدولة وتماسك المجتمع لان هذا الفصل فضفاض وسيتم استعماله لتكميم الافواه وقمع الحريات باسم ما يتصورونه مسا بالمقدسات لان العمل الفني قابل للتأويل وبالتالي سيتحول الى سيف مسلط على الفنانين بحجة المس بالمقدسات .
ودعا البوني النخب من فنانين وجامعيين الى التضامن من اجل منع تمرير هذا الفصل لانه سيكون خطر حقيقي على الدولة وفي هذا السياق دعا الى تنظيم يوم وطني للفنون في مسرح قرطاج يشارك فيه الموسيقيون والمسرحيون والشعراء والفنانون التشكيليون والسينمائيون ومجموعات الرقص للتحسيس بخطورة تمرير فصل كهذا وللدفاع عن الجمال والفن والحياة لان بلدا بلا فن سيكون خرابا وبلا روح .
خطورة التأويل
الدكتور سامي بن عامر اعتبر في مداخلته ان موضوع العبدلية قام على التأويل اذ تم تأويل اعمال فنية لم تسئ للمقدس لكن جرى تسويقها اعلاميا على انها اعتداء على مقدسات الشعب في حين ان الصور التي تم ترويجها بعضها غير موجود وبعضها الآخر تم تأويله على غير حقيقيته مثل لوحة «النمل»التي تم اعتماد الخدعة البصرية لمنحها مدلولا آخر غير مدلولها .
المدير السابق للمعهد العالي للفنون الجميلة سامي بن عامر قال انه لا احد يقبل ان تمس المقدسات في اي دين لان احترام المعتقد مسألة مقدسة لكنه نبه الى خطورة ربط ذلك بقانون أو بفصل دستوري لأن المسألة مرتبطة بتأويل فني وبالتالي سيتم تحنيط الفن وقتل روح الابداع التي لا يمكن اخضاعها لأي قانون .
ولكنه لم ينف بعض الاسئلة التي تحيط بمعرض العبدلية وخاصة مديره الايطالي باولو بيرالي الذي كتب في ديباجة المعرض انه بصدد التأسيس لفن جديد وكان تونس كانت بلاد قفر بلا فن ولا فنانين واستعرض بن عامر بعض المعطيات التاريخية والنظرية حول مسألة الفن المعاصر الذي ينبني على صنف جمالي واحد وبالتالي يقضي على التنوع .
واستخلص بن عامر ان المعرض حفت به تفاعلات سياسية وجرى فيه استعمال الفنانين في تصفية حسابات سياسية وقال ان الاصلاح في القطاع الثقافي مطلوب لكنه يبقى شأنا تونسيا ولا يمكن ان يتم اعتماد نماذج من الخارج واسقاطها على البيئة التونسية ودعا الوزارة الى حماية حرية الفنان والابداع وارساء اسس استقلالية الفنان بعيدا عن الإملاءات السياسية مهما كانت وجهتها او مصدرها .
واكد سامي بن عامر الى ان هذا لا يعني غلق الباب على التعاون والتبادل الثقافي ولكنه يجب ان يكون في سياق استقلالية الفنان والفن . في الندوة ايضا قدمت مداخلات اخرى لمعز سفطة وثامر معتوق وغيرهم .