احتضن المسرح البلدي بالعاصمة مؤخرا، العرض الأول لمسرحية «نحب نغنّي» للثنائي عبد الستار عمامو وهدى بن عمر. هذا الثنائي كتب نص المسرحية وكانا المممثلين الرئيسيين على خشبة المسرح. إلى جانب كل من حاتم اللجمي (موسيقى) والممثل المسرحي نورالدين البوسالمي. أما الاخراج فلهدى بن عمر والانتاج لشركة «واب» الفنون، بإدارة السيدة وحيدة البلطاجي.
ملخص هذا العمل المسرحي جاء فيه إنه وفي اطار جمعية الرفق بالموسيقى التونسية، يبدأ عبد الستار عمامو في تقديم محاضرته حول الموسيقى التونسية ونشأة الرشيدية وإذا بامرأة مغمورة فنيا تقتحم الركح صحبة شقيقها الموسيقي.
هذه المرأة هي هدى بن عمر، التي قدمت شخصية المرأة المغرمة بالموسيقى التونسية. كما ادّعت وساهمت في اعطاء معلومات عن تاريخ الموسيقى التونسية بعضها صحيحة، خدمة للموضوع الأصلي للمسرحية، وبعضها معلومات خاطئة خدمة للجانب الهزلي، أو الكوميدي الذي يمثل المتن الفني في هذا العمل المسرحي إن صحّ التعبير.
ومن هذا المنطلق تبدو مسرحية «نحب نغني» هزلية في ظاهرها وجدّية في محتواها، جدّية تفهم على كونها احتفاء بالموسيقى التونسية وبتاريخها الحافل، وبأسماء خلّدت في تاريخنا الفني على غرار شافية رشدي وخميس ترنان.
لذلك حاول كل من المؤرخ عبد الستار عمامو، والمخرجة والكاتبة المسرحية هدى بن عمر، التعريف بأهم محطات الموسيقى التونسية منذ أواخر القرن السابع عشر إلى حدود القرن الحالي.
معلومات هامة
واستنادا الى ما سبق ذكره، فإن العرض تضمن عديد المعلومات الهامة، والتي ليست متداولة بين عامة الناس من ضمنها أن «الرشيدية» سميت كذلك نسبة الى الأمير محمد الرشيد باي المعروف بعشقه للشعر، ونظمه له، والذي اختار الابتعاد عن دواليب الحكم من أجل الاهتمام بتهذيب سفاين المالوف التونسي، والتعليق على هذه المعلومة كان بطريقة هزلية تضمّنت مقارنة بين هذا الأمير وأصحاب السلطة أو سياسيي القرن دون ذكر أسماء طبعا.
كما جاء في المعلومات المذكورة مؤتمر الموسيقى العربية المنعقد بالقاهرة سنة 1932 والذي كان سببا في تأسيس الرشيدية، وترأس آنذاك الوفد التونسي العلامة حسن حسني عبد الوهاب.
واستعرض العمل كذلك تاريخ الأغنية الهزلية، وحطّ الرحال أيضا بعيد الاستقلال، لمّا أمر الرئيس الحبيب بورقيبة سنة 1958 بتنظيم مؤتمر عالمي لأطباء القلب بتونس. وطالب أن توضع أغنية بالمناسبة فكتب آنذاك الشاعر أحمد خير الدين أغنية يقول مطلعها:
«يا مداوين الناس فينو دوايا قلبي عدم وما لقيت شفايا»
هذه الأغنية لحنها الموسيقار صالح المهدي مستعملا نبضات القلب ودقّاته ايقاعا للأغنية التي أدّتها المطربة الراحلة «علية».
الكوميديا والوجه الآخر
وفي عودة الى الاخراج المسرحي والجانب الفني للعمل، تجدر الاشارة الى أن الجمهور اكتشف المؤرخ عبد الستار عمامو في «لوك» جديد إن صحّ التعبير. فالتزامه المعهود لم يمنع شخصيته من ابراز مساهمته الكبيرة في الجانب الكوميدي والهزلي الذي كان حجر الأساس في شخصية المرأة التي قدمتها باقتدار الممثلة المسرحية هدى بن عمر وأدمعت من خلال مواقفها الهزلية الجمهور ضحكا. وأبرز مثال عايناه كانت زميلتها الممثلة منال عبد القوي، التي ضحكت طويلا بالدموع كما كان واضحا على وجهها ولم تتمكن حتى من اخفات صوتها وهي تضحك.
لون أم تكرار؟!
لكن ما يمكن مناقشته في هذا العمل المسرحي يتعلق بالمخرجة والممثلة هدى بن عمر، فمنذ اطلالتها الأولى على خشبة المسرح، تذكرك بدورها في مسرحية «مائة نجمة ونجمة»، ولولا الجانب الهزلي في كتابة الشخصية لاحقا لكرّرت هدى بن عمر نفسها إلا أنها تجاوزت ذلك فيما بعد رغم نسيانها الذي تكرّر مرتين لنصها. ويمكن ردّ هذا النسيان الى عوامل منها أن عرض المسرحية هو الأول أمام الجمهور ونأمل أن يكون هذا الاختيار للمسرحيات التي لها بعد تاريخي احتفائي، من وجهة نظر الاختصاص في لون فني، لا تكرار النفس بعيدا عن البحث المتواصل وبحثا عن الربح السهل، خاصة وأن أغلب من تابع المسرحية تحدث عن امكانية برمجتها في سهرات مهرجان المدينة.