عادة ما لا يتجاوز الوقت المستقطع في مباراة كرة يد الدقيقة الواحدة، إلاّ إذا ما طرأت مستجدّات استثنائية كأحداث عنف أو انقطاع للتيار الكهربائي أو ما شابه فيجبر الحكم على توقيف المباراة لفترة طويلة نسبيا حتى تعود المباراة الى مجاريها. ها نحن اليوم مضطرّون الى أن نستسمحكم في وقت أطول من العادة لما نعتبره تجنّيا، بل قل اعتداء بالعنف على المصلحة العليا للمنتخب من قبل بعض الأطراف التي تحرّكها سوى مصلحتهم الشخصية الضيقة أو مصلحة أنديتهم ضاربين عرض الحائط بواجب التحفظ والمسؤولية المنشود في وقت يحتاج فيه منتخبنا الوطني الى التفاف جميع أفراد عائلته المقرّبين منهم والبعيدين، لضمان أوفر أسباب النجاح له في أولمبياد لندن التي قد تكون الأهم في مسيرته.
إليكم المستجدّات ثم أعلق:
خاطبني صبيحة أول أمس أحد الزملاء قائلا إن لديه معلومات بأنّ ما نشرناه في نفس اليوم على أعمدتنا من أن اللاعب محمود الغربي يواصل التمارين في قاعة المركز الوطني للطب وعلوم الرياضة، بالرغم من اقصائه من قائمة ال14 المؤهلين لتمثيل تونس في ألعاب لندن لا أساس له من الصحة وإن محمود موجود مع بقية الوفد في سترازبورغ، ثمّ ولم تمض خمس دقائق على هاته المكالمة حتى هتف لي زميل آخر قائلا إن قائمة ال14 ستشهد بالتأكيد عودة محمود الغربي مكان مروان شويرف وإن أطرافا داخل المنتخب ضغطت على آلان بورت، لكي يستأنف الغربي التمارين في تونس في انتظار اتخاذ القرار بعودته.
إجابتي للزميلين كانت واضحة حيث قلت لكليهما نحن اعلاميون محترفون يتحتم علينا التعامل مع الأحداث لا مع التخمينات. قلت للزميل الأول دعنا نتثبّت في تدرب محمود الغربي من عدمه على عين المكان بمركز الطب الرياضي وهو ما فعله متأكدا أن مصدره الذي اتهمنا بنشر معلومات زائفة غير جدير بالثقة، وقلت للزميل الثاني بأن آلان بورت هو مصدر القرار الوحيد الذي يجب أن نبني عليه تعاليقنا، وإلى حدّ اليوم فقد كان على غاية من الصراحة ومن الشفافية، حيث أعلن عن قراره بابعاد الغربي بدون أية مزايدات وبكل شجاعة ومسؤولية ولم يترك الباب مفتوحا أمام أي تأويل، لكن زميلي الثاني لم يكن مقتنعا كثيرا بكلامي. وفي أطروحته أكثر من منطق، حيث قال لي: «وما رأيك إن تأكدت المعلومة قبل السفر الى لندن؟». فقلت ولمَ تريد أن تسبق الأحداث؟ ربما يرى آلان بورت بعد مباريات المنتخب في دورة الأوروهاند الفرنسية بأن شويرف ليس جاهزا وأن محمود الغربي يكون آنذاك أكثر استعدادا فلماذا تريد أن نحرم المنتخب من ورقة أضمن. كما قلت للزميل أيضا بأن آلان بورت ليس غبيّا لكي يفضل الغربي على شويرف إن أثبت هذا الاخير بأنه جدير بالثقة وهو ما سنحكم عليه من خلال مباراتي تونس في سترازبورغ.
اكتفى زميلي الثاني بالقول «سنرى» وهو حرّ في ذلك... تساءلت بعدئذ بيني وبين نفسي أليس من الواجب المهني أن أحقق أكثر في الموضوع لانارة القارئ والرأي العام وتبادر إلى ذهني أن أهتف الى آلان بورت ولكن الحسّ الوطني تغلب على حرفيتي الصحفية حيث قلت إن آلان بورت لا حاجة له في الوقت الحالي الى تعقيدات اضافية للمسألة واخترت حلاّ وسطا يتمثل في مخاطبة السيد رضا المناعي المسؤول الجامعي الأول على المنتخبات الوطنية والمتواجد مع المنتخب على عين المكان في سترازبورغ.
لم أكن أترقب اجابة أوضح من التي مدّني بها: «محمود الغربي يعود الى قائمة ال14 في حالة وحيدة وهي لا قدر اللّه اصابة واحد من لاعبي الدائرة الموجودين معنا أي عصام تاج أو مروان شويرف».
لم تكفني الاجابة وأصررت قائلا: «أيعني ذلك أن آلان بورت لن يتراجع حتى ولو ظهر مروان شويرف بعيدا عن المستوى المطلوب؟» وأجاب رضا المناعي مصرّا «نعم، القرار سوف لن تحكمه اعتبارات فنية والغربي لن يكون في لندن إلاّ في حالة اصابة أحد لاعبي الدائرة».
الموقف واضح جدّا ولا يترك أي مجال الى التأويل... بقي أنني، وبعد تفكير طويل بيني وبين نفسي، خاصة بعد أن شاهدت مباراة تونس وفرنسا في اختتام دورة سترازبورغ يوم الجمعة الماضي، لست مقتنعا بهذا التمشي... فقلت بيني وبين نفسي إن أخلاقيات مهنة الصحفي تفرض عليّ الاصداع برأيي مهما كان مخالفا لميولات البعض، وهذا رأيي:
إن أداء المنتخب أمام نظيره الفرنسي، دفاعا وهجوما، كان مختلفا تماما بين الفترات التي يكون فيها عصام تاج على الميدان والفترات التي يترك فيها مكانه الى مروان شويرف مع أننا كنا نحبّذ أن يقع التعويل على هذا الأخير لمدة أطول خاصة وأن النتيجة في حدّ ذاتها لم تكن مهمة لنحكم لفائدة أو ضدّ ابقاء شويرف ضمن مجموعة ال14 وتبقى أمامنا فرصة مباراة اليوم لتتضح أمامنا الرؤيا ونصرّح بها... وسوف لن نتأثر بالتخمينات والمزايدات التي لا تخضع الى دلائل موضوعية والتي تحكمها نوايا مبيّتة لا تمت بأي شعور بالمسؤولية... وإن ما ذهبت إليه بعض الأطراف في محاولة للتأثير بل لمغالطة بعض من زملائي يخجلني فعلا ولا يثنيني عن التوجه إليهم بما يمليه ضميري المهني فأقول لهم: كفاكم باللّه عليكم توخي أساليب الماضي في تعاملكم مع رجال الاعلام فهم ليسوا وسيلة بين أيديكم لتبليغ رسائلكم وتحقيق غاياتكم وحتى وإن سبق لكم أن لقيتم صدى من بعضهم، فإن تونس الثورة لم تعد تقبل مثل هذه العلاقات المريبة لأن في ذلك تقزيما لدور الاعلام وطعنا في أهداف الثورة وضربا بالمصلحة العليا للوطن...
لذلك أهيب بكم بأن تكفوا عن الجذب الى الوراء وأن تغيّروا ما بأنفسكم حتى يغير اللّه ما بكم.