في مثل هذا اليوم وضعت حرب بنزرت اوزارها بعد اربعة ايام من الكر والفر بين جيش مدجج وشعب اعزل، حرب ذهب ضحيتها الالاف حسب ما تسرب من وثائق فشكلت لغزا لسنوات فهل هي حرب بنزرت ام حرب بورقيبة ؟ «الشروق» تعود اليوم لرفع الغطاء عن تلك الحقبة «كل الحروب قذرة وحرب بنزرت اقذرها» هكذا علق مبعوث جريدة لاكسبراس جون دانيال في تعليقه عن هذه الحرب ووضعها الميداني في ساعات وقوعها ،فخلافا لكل التوقعات استعرضت فرنسا كامل عضلاتها فيها رغم ان الشعور والمتابعة الاعلامية العالمية على غرار جريدة لوموند كانت تتوقع ايجاد مخرج سياسي وسلمي لها لكن الواقع كان مغايرا تماما وتحولت «ازمة بنزرت» الى معركة ،بل حربا باتم معنى الكلمة اذ استعملت فيها حاملات طائرات وقنابل حارقة «النابالم» والضحايا كانوا بالالاف حسب من بقوا احياء ممن عاشوها على عكس الرواية الرسمية التي تحدثت عن بضع مئات من القتلى والجرحى،.. وبعيدا عن الرواية المستهلكة ،هل كانت الحرب ضرورية للبلد والشعب ام لصالح القيادة السياسية انذاك ونعني بها بورقيبة، حرب قصيرة في الزمن الذي لم يتجاوز 4 ايام «19-20-21-22»ولكنها طويلة ومضنية ومتعبة جدا ولكنها مفخرة لمن عاشها واسهم فيها وتوجها من الشهداء والجرحى والاحياء من كافة المكونات ...ففي مقابل انتظارات الطرف التونسي لالتزام فرنسا بجدول انسحابه من البلاد وهوالذي جثم على صدرها من يوم 24 افريل 1881 والعبور المذل لسريتان فرنسيتان الحدود قاصدتان تونس والكاف وانزال الاسطول الفرنسي لحوالي 8 الاف جندي في بنزرت ،..كانت الاطراف الاستعمارية الفرنسية تعزز تواجدها المدني باحداث مكاتب خدمات بريدية وفضاءات تجارية جديدة وغيرها من الضروريات والكماليات لجاليتها هناك في بنزرت وايضا عسكرية اذ المشاهد للحركة في ثكنات منزل جميل ومنزل بورقيبة والماتلين وغيرها يخيل اليه انها مقاطعات فرنسية ،لتكون حادثة ثكنة سيدي احمد القشة التي قسمت ظهر البعير اولنقل بداية الحدث التاريخي العظيم وهوان التونسي لايرضى ابدا بدوس كرامته من أي احد حتى وان كانت قوة عظمى مثل فرنسا، اذ تقول المصادر ان الطرف الفرنسي انطلق في اجراء اشغال توسعة للمطار العسكري بسيدي احمد عبر اضافة مساحات جديدة بعرض مترين وعلى طول 200 متر بعد رفعها للحواجز الحديدية الخارجية للثكنة من اجل ان تتمكن طائرات جديدة من نوع «سوبر سونيك» و«الميسترال» من الهبوط والاقلاع ،فتصدت قوات الحرس الوطني فورا للعملية واعادت الاسلاك الحديدية الى مكانها الاصلي والمتفق عليه وكان ذلك يوم 30 جوان 1961 في حركة اغضبت الفرنسيين والتي امهلت نظيرتها التونسية على لسان القائم بالاعمال لدى استقباله للباهي الادغم والصادق المقدم يوم غرة جويلية لايقاف التصدي لهذه الاشغال ...انذار اعتبرته تونس تحديا وقبلته انطلاقا من تاريخ 4 جويلية وبداية التعبئة الجماهيرية والعسكرية في الداخل والديبلوماسية في الخارج من اجل الضغط على فرنسا بكل الوسائل خاصة وان بلادنا كانت تعلم جيدا ان بنزرت في ذهن «ديغول « رئيس فرنسا انذاك تساوي وطنا باكمله نظرا لعمقها الاستراتيجي ولايمكن التفريط فيها بسهولة ... ويقول بعض المؤرخين ان عدة عوامل سياسية هيأت كذلك لحرب بنزرت ومنها ذكرا لا حصرا التعنت الفرنسي وبالخصوص ضغط اليوسفيين والاتهامات المبطنة التي وجهت لبورقيبة ومراعاته لمصالح فرنسا على حساب الاستقلال وسماحه بايواء قاعدة عسكرية ببنزرت تستغل لضرب الجزائر وايضا تضارب الموقف العربي انذاك الذي تسيطر عليه الثورية العربية وشعارات عبد الناصر والطرق المعتمدة من قبل بورقيبة ،فكان لابد حسب روايات هؤلاء والله اعلم ان تقع حرب بنزرت ويقول العقيد المتقاعد البشير بن عيسى «...معركة بنزرت التي شهدت اول ملحمة تولى تنفيذها والتعهد بها الجيش التونسي وبصفة خاصة ضباطه الشبان الذين تصدوا للهجمة الشرسة التي خطط لها ونفذها الجيش الفرنسي بوسائله ومعداته البرية والجوية والبحرية وبفرق المضليين القادمين من الجزائر ... فمعركة بنزرت هذه التي دامت اربعة ايام كاملة لاتقل اهمية في نظرنا عن حرب الايام الستة التي نشبت في مصر...»وهواعتراف يؤكد راينا انها بالفعل حرب ضروس وغير متكافئة بين جيش تونسي لم يتجاوز عمره انذاك 5 سنوات ولم تكن بحوزته غير بنادق ورشاشات وعدد محدود من الاليات والدبابات ومثله قليل من مدافع الهاون وايضا بقية تشكيلات الحرس الوطني الذي يذكره المؤرخون ومن عاشوا المعركة بكل خير وفخر واعتزاز تضيق المساحة عن تعداد بطولاته وبطولات المقاومين وايضا المتظاهرين ورجال السياسة انذاك من اعلى هرم السلطة الى غيرها ،..ومستعمر فرنسي اعتمد دون رحمة معدات مدرعة واليات مزنجرة وفرق هندسة ميدانية ومدافع بعيدة المدى وبطريات هاون والمياه الاقليمية التونسية حوصرت بالبوارج وحاملة الطائرات» كليمونسو« والبارجة الثقيلة «جورج ليق» والوحدات المظلية المنضوية تحت لواء «ليجيون ايترونجار»،..جميعهم عاثوا في بنزرت فسادا منذ يوم 19 جويلية وتحديدا مع الساعة السادسة و20 دقيقة مساء والى غاية يوم 22 جويلية ولم يسلم منهم لا البشر ولا الحيوانات ولا الشجر ولا المباني ،..لقد دكوا كل شيء جامدا اومتحركا طيلة اربعة ايام بلياليها جعلت الجهة تفوح منها رائحة الموت وعجز الاهالي عن رفع واسترداد جثث شهدائهم المتناثرة هنا وهناك وحتى سيارات الاسعاف القليلة الموجودة عجزت عن التحرك الطبيعي، وتذكر تقارير اعلامية ان يوم السبت كان يوما داميا بعد ان امر الجنرال «امان»بنسف المدينة باكملها حتى يقضي على المقاومة ولكن الايمان بالقضية والحنكة في التعامل مع الازمات ووحدة الصف التونسي انذاك كانت اقوى من تلك الالة العسكرية الهمجية الفرنسية وكبدتها الخروج من الباب الضيق بعد ان كانت تمني النفس بكسر شوكة التونسي في ارض لم تكن تدري ان ترابها هوالصخر بعينه بفضل رجالها ونسائها وهي عصية على كل ظالم مستبد مهما طال الزمان اوقصر ، « ...لتنشط بعد ذلك الماكينة الديبلوماسية وايضا الجماهيرية وخاصة مظاهرة يوم 18 اوت التي تعتبر حسب المؤرخين المظاهرة الخالدة التي قالت «لا « للمستعمر الفرنسي للبقاء في البلاد ولاختراق اجوائها وحرمتها وعرفت مشاركة لم تشهد لها البلاد مثيلا واخترق اكثر من 50 الف متظاهر من ابناء بنزرت ومن كل جهات البلاد التونسية الحواجز والاسلاك الشائكة وقطعها وإلقائها امام مرأى ومسمع جنود الاحتلال الفرنسي المدججة بسلاحها والذي عجزت عن استخدامه وتقهقرت امام العزم والاصرار التونسيين على الرد عليها وتمكن المتظاهرون من الوصول لمقر الولاية وايصال لائحة مكتوبة بالدم للوالي رافضين فيها الوجود الفرنسي واعقبها موعد 27 اوت وتصويت 66 دولة لفائدة تونس وتدين العدوان الفرنسي عليها قبل الاعلان يوم 4 اكتوبر عن موعد جلاء الفرنسيين عن التراب التونسي وخروجه من بنزرت يوم 15 اكتوبر 1963 والاحتفال بذكرى الجلاء الاولى ايام 13 و14 و15 ديسمبر 1963 .