إن قصة تونس واستقلالها قصة طويلة الفصول، حزينة الأحداث، تجمع بين البطولة والمأساة، بين الظلم والمقاومة، بين القهر والاستعمار، بين الحرية وطلب الاستقلال، كان أبطال هذه القصة عديد الشهداء إضافة الى عدد كبير من الأرامل والثكالى. لقد بدأ يظهر في الأفق غداة الحرب العالمية الثانية توجه تونس نحو الحكم الذاتي أو الاستقلال الداخلي،بعد أن ارغم نمو الحركة الوطنية سلطة الحماية على بعض التنازلات، الشيء الذي نتج عنه اعتراف فرنسا رسميا باستقلال تونس الداخلي 3 جوان 1955 تلاها احراز تونس على استقلالها الام في 20 مارس 1956. لم يمض على تاريخ إعلان استقلال بلادنا سوى بضعة أشهر حتى عبرت الحكومة التونسية آنذاك أمام المجلس التأسيسي يوم 22 نوفمبر 1956 عن رغبة الحكومة التونسية وأملها في أن تحل قضية احتلال الجيش الأجنبي لترابنا على قاعدة المفاوضات والاتفاق السليم مع فرنسا، وطالبت تونس يوم 18 فيفري 1957 من جديد بالجلاء عن طريق التفاوض مستعملة في ذلك الرصانة والحكمة. إلا أن ردة فعل الجانب الفرنسي بدأ يتغير وأن الشعور بخطر الاحتلال يتجسم مع الايام خاصة إثر استفزازات الجيش الفرنسي على الحدود، وداخل البلاد، فقرر الديوان السياسي آنذاك ضرورة التخلص من هذا الخطر المحدق بسلامة الشعب سيادة البلاد وكرامة الأمة وتجلى ذلك بالخصوص إثر الاعتداء على ساقية سيدي يوسف في 8 فيفري 1958 ، الشيء الذي دفع الزعيم بورقيبة آنذاك الى الدعوة والمطالبة بالجلاء التام عن أرض الوطن ، وكانت أول بادرة لتحقيق الجلاء على قاعدة اتفاق تم إبرامه يوم 17 جويلية 1958 بين حكومتي تونسوفرنسا غرضه تسويه القضايا العسكرية التي أثارت صعوبات عديدة بين البلدين. إلا أن إلغاء الحماية الفرنسية، وتمكين تونس من الظفر باستقلالها سنة 1956 لم يضع حدا للحضور العسكري الفرنسي في بنزرت ولا شك ان فرنسا وان اعترفت بالسيادة التونسية على المدينة إلا أنها رفضت التفاوض حول نظام القاعدة الجوية والبحرية، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت قضية الجلاء شرطا من شروط الحكومة التونسية لا بد من تحقيقه فألقى الزعيم بورقيبة يوم 25 جانفي 1960 خطابا أمام مؤتمر الشعوب الافريقية أعلن فيه بداية معركة بنزرت ، وازداد الوضع تأزما وتطور تطورا خطيرا بمجرد بلوغ الحكومة التونسية يوم 1 جويلية 1961 أن القوات الاستعمارية بادرت الى تمديد المطار العسكري بقاعدة بنزرت دون إعلامها، فبادرت الحكومة التونسية بتبليغ رسالة الى الجنرال دي غول بهذا الصدد باتت بلا جواب ... فاندلعت المعركة الدامية يوم 19 جويلية 1961 بين الجيش الفرنسي والجيش التونسي إضافة الى عديد المتطوعين الذين توافدوا الى مدينة بنزرت من كامل أنحاء البلاد ... وخلال تلك المرحلة تم عرض القضية على مجلس الأمن الذي أمر بإيقاف القتال يوم 22 جويلية 1961 وسجلت تونس إنتصارا باهرا في المجال الدولي بعد ما أضهرت من استبسال وصمود في ميدان القتال من أجل الدفاع عن حقها المشروع في السيادة الكاملة على ترابها الشيء الذي أرغم القوات الفرنسية على البدء بسحب قواتها شيئا فشيئا وبتاريخ 14 أكتوبر 1963 أعلن الزعيم بورقيبة من أعلى منبر الأمة آنذاك الجلاء الكامل، وهب نسيم الحرية يوم 15 أكتوبر 1963 على بنزرت حيث رحل آخر جندي عن ترابها وقاعدتها. لقد اهتزت القلوب خافقة بفرحة الجلاء وكان التجاوب عميقا، صادقا بين أفراد شعبنا كافة، نتيجة شعور كل فرد من أفراد الشعب بأنه أصبح سيدا في أرضه كامل السيادة موفور الكرامة، معتزا ومعتدا بكيانه وإنسانيته. إن الأجيال التونسية المتعاقبة، وعلى إثر معركة الجلاء، استلهمت الدروس الخالدة ممن قدموا انفسهم عربون فداء وأريقت دماؤهم الزكية من أجل أن تنعم الأجيال المتعاقبة بالحرية، فانطلق الجميع في بناء تونس، فتقدمت أشواطا وأشواطا، وتعرف تونسنا اليوم تطورا ملحوظا في عديد المجالات، وتعد من البلدان المتطورة، شعبها متفتح ومثقف وواع يدرك ماله وما عليه من واجبات مستمرا في بناء تونسه العزيزة في شتى المجالات.