لم تفلح دعوات الخشوع والهدنة في رمضان في إيقاف المعارك والشتائم اليومية بين النهضة وخصومها في الصفحات التونسية، واستمر بث الإشاعات والأخبار والصور المفبركة، فيما تركز اهتمام أغلب الصفحات التونسية على الارتفاع الكبير في الأسعار الذي أصبح جنونا وانفلاتا. في الأثناء، تستمر حملة أنصار اليسار والمعارضة على السيد علي العريض وزير الداخلية بسبب منشور منع المجاهرة بالإفطار وإغلاق المقاهي والمطاعم رغم ما نشره ناشط شاب من العاصمة قال إن العديد من المقاهي خارج المنطقة السياحية وخارج وسط العاصمة مفتوحة، إنما بحذر على عادة التونسيين في إخفاء علامات الإفطار وأن أغلب أعوان الأمن لا يتحمسون لإغلاق المقاهي. كما يستمر نشر المقالات التي تطالب باحترام الحق في الإفطار، بصفته حقا شرعيا من حقوق الإنسان سواء كان مبرره المرض والعجز أو عدم الصوم من حيث المبدأ.
كما استأثرت حالة العاصمة بعد سقوط الأمطار صبيحة الأمس بالكثير من الاهتمام، خصوصا وقد فاضت مجاري المياه وتحولت الطرقات إلى برك مليئة بالماء الآسن، وتم نشر العديد من الصور الجدية للوضع في العاصمة حيث سالت الأوحال من أكداس الفضلات المرمية منذ أسابيع في أركان الأنهج وتحولت إلى «حمأ مسنون» كما وصفها ناشط من إحدى نقابات العاصمة، متحدثا عن الروائح الكريهة التي تسربت مع تحلل الفضلات بفعل مياه الأمطار. وفي العديد من الصفحات التونسية، لاحظنا تذمرا من ارتفاع الأسعار إلى حدود «لا يمكن تفسيرها إلا بالانفلات والفوضى» كما كتب زميل أجرى تحقيقا في السوق المركزية، واكتشف أن ثمن التمر مثلا قد عرف ارتفاعا لا مبرر له بأكثر من دينار ونصف، ليصبح ثمنه 5.800 دنانير، وهو يحذرنا في مقاله الطريف: «راهي موش دقلة هذه، راهو تمر عادي».
وكتب زميل من القدماء تعليقا على ذلك: «لم تعد الحكومة محتاجة لدعوتنا إلى ترشيد الاستهلاك، الأسعار المجنونة هي التي تفعل ذلك، وإلا كيف نفسر أن يباع راس ليتي (laitue) في حجم قبضة اليد بدينار ؟ وكيف يباع الكرموس ب 8.400 دنانير والخوخ بأربعة دنانير ؟ هل هذه أسعار أسواق باريس أم تونس».
وكتبت ناشطة من العاصمة تقول إنها تعيش في مرسيليا وتقضي شهر رمضان في تونس: «والله كليو الكرموس من أجود الأنواع لا يزيد عن 2 أورو في فرنسا، يعني أربعة دنانير، مع أن البائع يتركك تختار بنفسك، هذا الثمن فضيحة في تونس». وعلى عكس مواضيع السياسة، يوحد ارتفاع الأسعار مشاعر التونسيين وقناعاتهم، وكتب ناشط شاب من الجنوب محذرا من أن ارتفاع ثمن التمور عائد إلى المضاربة والاحتكار، ويضيف: «أنا من أسرة تنتج التمر في قبلي، وأستطيع أن أؤكد لكم أن أكثر من 60 بالمائة من ثمر التمر يذهب في جيوب الوسطاء والمحتكرين». وتنصح ناشطة حقوقية من العاصمة بالتوجه إلى الأسواق الشعبية لأنها أكثر رحمة بمحدودي الدخل، وكتب صديق لها: «المشكل أننا أصبحنا كلنا من محدودي الدخل، وأصبح الواحد يرى بعينه ويتحسر بقلبه حتى لا أقول شيئا آخر»، وطالب ناشط نقابي من اتحاد الشغل بأن يتولى المجتمع المدني تكوين جمعيات وتعاضديات استهلاكية تربط بين المنتج والمستهلك للتخلص من الوسطاء والمحتكرين، وأضاف: «سوف ترون كيف تنخفض الأسعار إلى النصف».
وفي الصفحات التونسية، ثمة ظاهرة يمكن تسميتها «حشيشة السياسة»، لذلك ظهرت حملة جديدة يدعمها نشطاء المعارضة تحمل عنوان «خوذ حق الكرطوشة وهات حق الشهيد» في إشارة إلى استمرار غموض مسألة القناصة وهويات المسؤولين عن استشهاد مئات التونسيين.
وفي إطار حشيشة رمضان السياسية أيضا، نشر نشطاء من المعارضة صورة لشاب من حملة «صلي عليه» صلى الله عليه وسلم وهو يلصق شعار الحملة على الدلاع، وتساءل أحدهم: «لماذا يتم توظيف اسم النبي حتى في بيع الدلاع ؟»، وهكذا وجد المهووسون بالعراك مبررا جديدا، لأن العصبية والترمضين يحدثان أيضا في العالم الافتراضي».