فوجئ الكثير من الناشطين في الصفحات التونسية يوم أمس بمقطع فيديو يسجل هجوما منظما في مدينة جندوبة على المحلات المفتوحة في شهر رمضان أدى إلى تحطيم محتوياتها تماما تحت صيحات التكبير، كما تم تداول معلومات كثيرة عن تهديدات تلقاها العديد من أصحاب المقاهي والمطاعم المفتوحة لإجبارهم على إغلاق محلاتهم. قبل بدء شهر الصيام، كتب ناشطون كثيرون من عدة توجهات فكرية وسياسية تحذيرات متكررة خوفا من ظهور مجموعات تهدد أصحاب المقاهي والمطاعم المفتوحة في شهر رمضان. وتم تداول تصريحات السيد عادل العلمي رئيس الجمعية الوسطية للتوعية والإصلاح والتي بدت أشبه بتهديد للمفطرين ودعوة للدولة إلى مقاومتهم، مما جعل عدة ناشطين يحذرون من ظهور «مليشيات الأخلاق الحميدة» كما يسميها البعض للاعتداء على المفطرين.
واعتبر حقوقيون كثيرون أن ممارسة أي شكل من أشكال الضغط أو التهديد على من يريدون الإفطار سيكون انتكاسة للديموقراطية والحريات العامة، والتعايش بين الجميع، فيما كتب شاب ساخر من اليسار: «أنا أحسد السياح وهم يشعلون السجائر في قلب العاصمة، لماذا علي أنا أن أختبئ وأشرب قهوة وأدخن في محل كأنه مغارة ثعلب؟ يا سيدي اعتبروني توريست ؟».
ومن أجمل ما قرأنا حول الحق في المجاهرة بالإفطار، ما كتبه ناشط حقوقي قريب من النهضة، يقول إنه يؤدي فرائضه كلها ومنها الصيام، كتب في صفحته: «نداء إلى كافة الإخوة الصائمين وخصوصا من التيارات السلفية: من صام فلنفسه، ومن أفطر فعليه ذنبه وحده، فلا تقربوا مفطرا ولا تهددوا محلا، تونس تتسع للجميع، وشخصيا لا يمثل لي إفطار الناس أي شكل من أشكال الإزعاج ولا أجد أي مبرر لإجبار أحد على الصيام أو التظاهر به». وكتبت صديقة له تعليقا جاء فيه: «في تونس كما في أي مكان في العالم، يوجد أشخاص مرضى غير قادرين على الصيام، وآخرون غير مؤمنين ولا يصومون من حيث المبدإ وهذا من حقهم طالما لا يمسون من حق أحد، وثمة أجانب وسياح، وهذا يتطلب السماح بفتح المحلات كما تعودنا منذ عقود».
لكن اليومين الأول والثاني من رمضان، حملا لنا في الصفحات التونسية أنباء متواترة عن مواجهات وتهديدات موجهة إلى أصحاب المقاهي والمطاعم وحدث ما كان البعض يخشاه. ولئن ظل عدد قليل من المقاهي وسط العاصمة مفتوحا، بحجة أنها موجهة إلى السياح فإن ولاية أريانة مثلا شهدت حملة لإغلاق المقاهي والمطاعم وكل ما يقدم خدمات الأكل والشرب، ونشر ناشط يساري من اتحاد الشغل خبرا جاء فيه أن أغلب المطاعم والمقاهي السياحية بمنطقة حي النصر التابعة لولاية أريانة اضطرت أول أمس إلى إغلاق أبوابها حتى أمام الأجانب وذلك على خلفية تعليمات صارمة من بعض رجال الأمن الذين يقولون إنهم تلقوها من والي أريانة. ويضيف هذا الناشط في نقاش مع أصدقاء له على صفحته أن والي أريانة قال إنه لم يخترع شيئا من عنده وإنما هو يطبق منشورا صادرا عن وزارة الداخلية حول إغلاق المقاهي والمطاعم في شهر رمضان.
أما الحدث الأكثر عنفا تجاه علامات الإفطار في رمضان فقد جاء من مدينة جندوبة، وتم تداول مقطع فيديو طويل يصور خروج مسيرة تطلق صيحات التكبير وترفع شعارات ضد المجاهرة بالإفطار، ثم تولى المتجمهرون اقتحام بعض المحلات المفتوحة وإخراج معداتها وتحطيمها في ساحات عامة وسط صيحات التكبير، فيما كتب ناشط قريب من السلفية: «الله أكبر، جندوبة لن تفطر بعد اليوم».
ثمة إجماع في صفحات الحقوقيين على أن اقتحام المقاهي أو المطاعم وتحطيم محتوياتها يمثل جريمة، كما أن أي شكل من أشكال الاعتداء على المفطر هو مس من حقوقه الأساسية، سواء كان مفطرا لأسباب صحية أو عن قناعة فكرية، وقد بحثنا في عشرات الصفحات القريبة من النهضة وأنصار الحكومة، فلم نعثر على شيء يستحق الذكر بخصوص اقتحام المقاهي أو تحطيم محتوياتها وهو ما اعتبره حقوقيون كثيرون موافقة لما تقوم به بعض التيارات المتشددة وحتى عناصر من الأمن.