احتفل التونسيون، كلهم أو أغلبهم، أمس بالذكرى الخامسة والخمسين لعيد الجمهورية، وبدوا منقسمين إلى أكثر من مجموعة، وجاءت الاحتفالات باهتة، أو على الأصح أقل حماسا مما كانت عليه سابقا. التونسيون اختلفوا هل هم بصدد الجمهورية الأولى أم هم على أعتاب الثانية في ما ترى مجموعة أخرى أن النظام الجمهوري ذاته، الذي تمسكت به كل القوى السياسية وضمنته في الفصل الأول من الدستور الجديد، مهدد من بعض الأطراف الداعية والساعية الى نظام الخلافة الإسلامية.
الذين يرون أننا نعيش الجمهورية الأولى لا يطعنون في قرار المجلس القومي التأسيسي الذي ألغى الملكية، بل في الرئيسين السابقين اللذين انحرفا بالجمهورية وسرقا إرادة الشعب وسلطته وصنعا مملكة لهما وما جعل البعض يطلق على النظامين السابقين صفة « الجملوكية».
والذين يرون أننا على أبواب الجمهورية الثانية يؤمنون بأن الثورة تجب ما قبلها، وإنها كنست الجمهورية الأولى باستبدادها وديكتاتوريتها، وأن المرحلة الانتقالية الحالية ستؤسس الجمهورية الثانية الملتزمة بترسيخ الديمقراطية والحريات العامة و الفردية وسترسي العقد الاجتماعي و العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
ولا شك أن هذا الاختلاف الحسابي لا يفسد للود قضية مادام أغلبية التونسيين متمسكين بالنظام الجمهوري منتصرين لقيمه ومرتكزاته ومستعدين لحمايته والدفاع عنه خيارا وحيدا لتونس الجديدة.
ان خيار الدولة المدنية خيار ثابت و جامع لعموم التونسيين، فهي تحتضن الأقليات وتضمن حق الاختلاف وكل أنواع الحريات، لكنها لا تقبل أبدا المس بالثوابت والخيارات التي هي محل إجماع وطني ومنها النظام الجمهوري والهوية العربية الإسلامية ...
ومن هذا المنطلق فان الدفاع عن الجمهورية ومنع الارتداد عنها أو الانحراف عن قيمها واجب وطني محمول على كل التونسيين، وهي كالاستقلال الوطني أمانة في عنق كل التونسيين، وان اختلفت توجهاتهم ومذاهبهم و إيديولوجياتهم.