روعة القرآن في صدقه على مدى الأزمان المتطاولة ذلك أن ما يأخذه الناس من الحقائق الاجتماعية والمسائل العلمية والفلسفية بالتسليم في زمانهم قد يظهر في الأزمان الموالية ما يبطل تلك المسلمات وينقض ما انبنى عليها من النظريات . في القرآن كثير من أمور العالم الكونية والاجتماعية وقد مرت العصور وتقلبت البشر في العلوم والأعمال ولم يظهر فيه خطأ قطعي في اشارة من اشاراته. وسلامته من هذا الخطإ يصح أن تجعل من ضروب اعجازه.
والحق أن روعة القرآن في اعجازه وليس اعجازه في سحر بيانه أو بأخبار الغيب فيه أو بموافقة اشاراته لبعض حقائق العلم فقط فذلك هو الاعجاز المتعارف عند الباحثين في القرآن وما جروا عليه في التقسيم الى اعجاز بياني وغيبي وعلمي بل من اعجازه كذلك عجز الزمان عن ابطال حقيقة فيه وتعبيره عن المعاني بما يقبله المختلفون في فهمها مع موافقة الحق.
فالقرآن حين تحدث عن السحر مثلا لم يذكر ما هو؟ أشعوذة وتخييل أم خواص طبيعته وتأثيرات نفسية؟ وهذا ضرب من الاعجاز في الايجاز انفرد به دون سواه فهو يذكر الأمر المشهور في وقت ما لأجل الاعتبار به ونظمه بأسلوب يمكن لكل واحد أن يقبله مهما كان اعتقاده له في تفصيله .
والحكمة في ذلك كما قال الشيخ عبده: ان الله عز وجل قد وكل معرفة هذه الحقائق الكونية الى بحث الانسان واشتغاله بالعلم لأنه من الأمور الكسبية ولو بين مسائلها والنص القاطع لجأت مخالفة لعلم الناس . واختباره في كل جيل لم يرتق العلم فيه الى أعلى درجة ولكانت تلك المخالفة من أسباب الشك والتكذيب.
وقد اشتمل القرآن على كثير من المسائل العلمية والتاريخية التي لم تكن معروفة في عصر نزوله ثم عرفت بعد ذلك أولم تنفتح مغلقاتها بعد كياجوج وماجوج.. كما اشتمل على أصول العقائد الدينية وأحكام العبادات وقوانين الفضائل والآداب وقواعد التشريع السياسي والمدني والاجتماعي والأحوال الشخصية وبذلك بفضل ما سبقه من الكتب السماوية ومن الشرائع الوضعية والآداب الفلسفية كما يشهد بذلك من آمن بأنه من عند الله أنزله على رسوله الأمي الذي بعثه الله في الأميين رسولا. وقد شهد كثير من غير المسلمين بنجاح الاسلام الباهر في التشريع الديني والاجتماعي والمعاملات في عصر لا يستطيع أحد أن ينبغ فيه وان طال انقطاعه لدراسته السنين الطوال وفي بلد لم ينشأ فيه تشريع ولا نظام ولا قوانين.