لم يتولّ سحنون القضاء إلا بعد إلحاح من الأمير محمد بن الأغلب، وحلف عليه أشدّ الأيمان، ولم يقبل إلا بشروط. قال سحنون «لم أكن أرى قبول هذا الأمر حتى كان من الأمير ضمينان أحدهما أعطاني كل ما طلبت، وأطلق يدي في كل ما رغبت حتى أني قلت له: أبدأ بأهل بيتك وفي ابنتك وأعوانك فإن قبلهم ظلامات للناس وأموالا لهم منذ زمن طويل، إذ لم يجترئ عليهم من كان قبلي فقال لي: نعم، لا تبدأ إلا بهم، وأجر الحق على مفرق رأسي». فكان سحنون لا يقبل شهادة من أهل القصر كما أفادنا بذلك ا لقاضي عياض، قال لامرأة شاكية «إياك أن تشهدي أحدا من أهل القصر، لا أقبل شهادتهم».
ولما ولي سحنون القضاء تلقاه الناس، فسار حتى دخل على ابنته خديجة وكانت من خيار النساء فقال لها: اليوم ذبح أبوك بغير سكّين، وكان قد استشارها من قبل وأوصته بأن لا يقبل هذه الخطة إلا بضمان أن يجري حكم القضاء على كل الناس بمن فيهم الأمير وعائلته وأعوانه من ولاّة وعمال، وهذا ما كان».
وقد نظم سحنون خطة القضاء وطوّره، وجعله يتماشى مع ما شهدته مدينة القيروان وإفريقية عموما من تطور وازدهار اقتصادي ونشاط تجاري وتوسّع عمراني من مساجد وحمامات وفنادق وتعدّد الأسواق وتفنّن في الحرف والصنائع والمهن، فاهتمّ بالأسواق، ونظّم خطة الحسبة، وعيّن الأمناء الذين يؤدبون على الغش وعاقب سحنون بنفي من يغش من الأسواق. وقد بنى سحنون بيتا لنفسه في الجامع للقضاء بين الناس، حين رأى كثرة الناس وكره كلامهم، فكان لا يحضر عنده غير الخصمين، ومن يشهد بينهما في دعواهما وسائر الناس عنه بمعزل، فصار ذلك البيت سنّة لقضاء المالكية وقد نظم سحنون إجراءات القضاء إذ كان يكتب للناس أسماءهم في رقاع تجتمع بين يديه ويدعوهم واحدا واحدا.