أحاديث النبي التي تحث على العدل كثيرة، فهي قبس من نور يوجهنا نحو الطريق المستقيم، ويدفع بنا نحو القيم السامية. فمن حاز العدل، حاز نصيبا وافرا من بقية الأخلاق. فالعدل يدفع بالإنسان نحو صلاح القلب ويجعله يمتاز بأخلاق الرحمة والكرم واللين والحياءوالسخاء، والزهد فيما عند الآخرين، والشجاعة وعدم مداهنة من بيدهم مقاليد الأمور.
وفي الحديث الذي أخبرنا به عبد اللَّهِ بنِ عمرو بن العاص رضي اللَّهُ عنهما يقول النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «إنَّ المُقسِطينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلى مَنابِرَ مِنْ نورٍ: الَّذِينَ يعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وأَهليهِمْ وما وُلُّوا.» (رواهُ مسلم ).
وروى الإمام مسلم كذلك في صحيحه عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال».وفي الصحيحين عن أبي هريرة: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله». وذكر أولهم «إمام عادل». والرسول يعلمنا أن العدل لا يقتصر على المسلمين فحسب، وأن الإنسان حين يجد العدل، عليه أن يدعمه وينضم إليه ويؤازره ويقويه. فالعدل محمود في ذاته ولو كان في حق غير المسلم.
يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «لقد شهدت في دار ابن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت». (رواه البخاري). هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يثني على حلف الفضول. وحلف الفضول هذا هو أكرم حلف سمع به العرب وأشرفه، وكان في الجاهلية قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. وكان سببه أن رجلا من زبيد جاء إلى مكة ببضاعة له فاشتراها منه العاص بن وائل؛ وكان ذا شرف، وذا قدر كبير في قومه قريش، فمنعه حقه، فاستعدى الزبيدي عليه الأحلاف من قريش، فأبوا أن ينجدوه وينصروه، فذهب إلى جبل أبي قبيس وعلا فوقه ثم نادى بأعلى صوته بشعر له يصف فيه ظلامته وقريش في أنديتها حول الكعبة تسمعه، فسعوا في ذلك. سعى منهم الزبير بن عبد المطلب في هذا الأمر واجتمعت هاشم وزهرة وتيم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان، وتعاقدوا وتعاهدوا ليكونن يدًا واحدة مع المظلوم على ظالمه، حتى يأخذوا له بحقه منه.
فسمعت قريش بهذا الحلف، فأثنت عليه وآزرته، ثم مضى هؤلاء إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه حق هذا الزبيدى.