حين علم سليمان بأن ملكة سبأ قادمة على زيارته في عاصمة ملكه شيّد لها صرحا (قصرا) عظيما من زجاج، وعمل في ممره ماء، وجعل عليه سقفا من زجاج وجعل فيه السمك وغيرها من دواب الماء، بحيث يخيّل للناظر أنه (لجة) ثم جلس سليمان على سريره فلمّا دخلت الصرح كشفت عن ساقيها لأنها ظنت أن في طريقها الماء، فقال لها سليمان : إنه صرح ممرد من قوارير (زجاج) وهذا شيء عظيم لا عهد لأهل اليمن بمثله. وقد أراد سليمان أن يظهر لها من دلائل عظمته وسلطانه ما يبهرها، وان ترى بعينها مالم تره بالأحلام...وهو أن يأتي بعرشها الجميل ليكون جلوسها عليه في ذلك الصرح، فأمر جنوده بأن يخبروه عن شخص قوي ليأتيه بعرش بلقيس، فانتدب له عفريت من الجن وأخبره بأنه قادر على المجيء به في مدة قصيرة لا تتجاوز نصف نهار، وكان هناك رجل من أهل العلم والإيمان مشهور بالولاية قال لسليمان (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) أي في طرفة عين وإذا بالعرش قد حضر وهذا الرجل هو (آصف بن برخيا) كما يذكر المفسرون وهو ابن خالة سليمان، وهو من أهل الولاية والصلاح، وقد كان هذا من كراماته، والكرامات لأولياء الله ثابتة، لا ينكرها إلا مكابر قال في الجوهرة : (وأثبتن للأولياء الكرامة : ومن نفاه فانبذن كلامه) ويميل بعض المفسرين إلى أن الذي أتى بعرشها هو (سليمان) عليه السلام نفسه ويجعل نقل العرش معجزة لسليمان وقد رد هذا القوم السهيلي وابن كثير وقال إنه غريب جدا لأن سياق الكلام لا يؤيد هذا الرأي.
وقد أمر سليمان ان يغير بعض معالم العرش ليمتحن بها قوة ملاحظتها وانتباهها فلما جاءت فوجئت بأول ظاهرة عجيبة فعرض عليها عرشها وقيل لها : «أهكذا عرشك؟» فأجابت كأنه هو، وهذا من فطنتها وغزاره فهمها لأنها استبعدت أن يكون عرشها لأنها خلفته وراءها بأرض اليمن، ولم تكن تعلم أن أحدا يقدر على هذا الصنع العجيب ولما رأت هذه الدلائل الباهرة، والخوارق العجيبة أعلنت إسلامها، وتبرأت مما كانت عليه هي وقومها من ضلال فقالت {رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين...} إقرأ هذه الآيات الكريمة في تتمة القصة : {قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين؟ قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك، وإني عليه لقوي أمين. يتبع