أصبح من تحصيل الحاصل أنّ بلادنا تعيش اليوم على وقع صراع مُحتدم وشديد بين مختلف الفاعلين السياسيين تأهبّا للمواعيد الانتخابيّة المنتظرة والتي ستُفضي إلى مرحلة الحكم الدائم، صراع استخدمت وتستخدم فيه كلّ الوسائل والأساليب ، ومن الواضح أنّ حدّة التنافس قد بلغت مؤخرا درجة عالية من التوتّر والصدام انعكست بصورة سلبيّة على الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة وأدّت إلى العديد من الأضرار والكثير من مظاهر الفساد والإفساد، هذا إضافة إلى تعمّق الهوّة بين السلطة والمعارضة وغياب الرؤية التشاركيّة ومنهج الوفاق حيال الملفات والقضايا والاستحقاقات الكبرى للبلاد وهو الأمر الّذي زاد في ضبابيّة المشهد وصعوبة المرحلة. لقد تجاوز التنافس السياسي الحدّ المعقول وبات تنافسا «شرسا» و«عنيفا» مسّ قطاعات حياتيّة وحيويّة هامّة كالخدمات العامّة ومناخ الاستقرار والسير العادي لجلسات المجلس الوطني التأسيسي ، ممّا أوجد مخاوف من مزيد تدهور أوضاع البيئة والصحّة الناجمة عن تعطيل خدمات رفع الفضلات وتقاعس القطاع المعني عن أداء واجبه الوطني ، هذا إضافة إلى ما آل إليه الوضع داخل التأسيسي بعد إسقاط مشروع قانون الهيئة الوقتية للقضاء العدلي نتيجة غياب التوافق وتمسّك كلّ طرف من الترويكا والمعارضة بمواقفها الحديّة والقاطعة على الرغم من أنّ نقاط الاختلاف والتباين محدودة إن لم تكن هامشيّة أيضا.
إنّ التذبذب في علاقة السلطة بالمعارضة وبقاء الحكومة في حالة ارتباك وتردّد وعدم امتلاكها للشجاعة اللازمة للمضي قدما في الخيارات الإصلاحيّة المنتظرة وتحقيق انتظارات الناس خاصة في الجهات الداخليّة والمناطق النائية لا سيما الفئات الضعيفة والعاطلين عن العمل، إنّ ذلك التذبذب وذلك التراخي ساهما في تراكم العديد من الملفات وتزايد الصعوبات على أكثر من صعيد كما أنّه أتاح الفرصة لقوى الثورة المضادة لتنظيم صفوفها واستعادة حراكها من أجل تعميق أزمات الواقع السياسي الجديد على غرار ما حصل في قطاع الماء والكهرباء ورفع الفضلات.
إنّ سياق الضغوط الحالية وحالة الشدّ والجذب بين السلطة والمعارضة لا يُمكن أن يُوجدا إلاّ المزيد من الثغرات والعثرات التي قد تتسرّب منها العديد من التحديات الإضافيّة وتؤدّي إلى المزيد من التعفّن والاضطرابات.
إنّ تونس فوق الأحزاب جميعا، وهي أيضا فوق الحسابات الضيّقة والفئويّة للسلطة والمعارضة، ومن المؤكّد أنّ التباحث حول وفاقات مبدئيّة وثابتة تخدم الوطن واستحقاقات الشعب واحتياجاته هي أفضل من تجاذب فوضوي أكثر من أنّه يمسّ بظروف عيش الناس فهو يُهدّد مستقبل تلك الكيانات الحزبيّة التي لا تضمن لها الفوضى والخراب أيّ أفق للاستمراريّة.