تعيشُ بلادنا على وقع أحداث هامة ومصيرية ، حجم المتغيرات متسارع وتتجه النخب والأحزاب ومختلف الفاعلين السياسيين في الحكم والمعارضة إلى حسم العديد من الملفات والمواضيع المرتبطة بطبيعة البناء الجديد والتأسيس للمرحلة الديمقراطية الفعلية والدائمة. طبيعة المرحلة لم تعد تحتملُ الكثير من الانتظار والتأخير، هناك مسائل لا بدّ حسمها «الآن» وبشكل واضح ودقيق يُساهم في دوران الحياة في وجهتها الصحيحة في مختلف القطاعات والميادين.
الانطلاق في تنفيذ المشاريع التنموية المنصوص عليها في قانون المالية التكميلي لسنة 2012 سيكون أحد أهم المجالات التي ستتجه إليها الأنظار قريبا لمعرفة مدى قدرة السلطة الجديدة على تنفيذ برامجها وتعهداتها وتحقيق شيء ما على الأرض خاصة في مجالي التنمية والتشغيل وإدارة الشأن العام خاصة على المستوى المحلّي والجهوي، سيكون ذلك أحد أهم الاختبارات التي من شأنها أن تُنير السبيل وتوفر الطمأنينة حول القدرة على الفعل والإنجاز وهذا المجال هو محل انتظار واسع من مختلف الفئات الاجتماعية التي سئمت أو تكاد الوعود وباتت تحتاج إلى رؤية أشياء تتحرك على الأرض تُحقّق لها الأمن وتوفّر لها فرص استعادة نمط عادي للحياة اليوميّة بعيدا عن الاضطراب والمخاوف والهواجس، وبما يُدعّم أيضا الاستقرار العام في البلاد والوحدة بين كلّ التونسيّين ويدفع نحو التفاؤل بالمستقبل.
على السلطة الجديدة أن «تحسم» أمرها الآن وليس بعد المزيد من إضاعة الوقت، عليها أن تؤكّد جدارتها بتسيير البلاد، على السلطة أن تقول الكلمة الفصل وعليها أوّلا وأخيرا أن تُعطي الانطباع بأنّ للدولة ومؤسّساتها المختلفة هيبة ومسؤوليّة ولها أيضا إرادة سياسيّة واضحة في الانتقال بالبلاد إلى الآفاق المرجوّة بعيدا عن مظاهر التراخي والاضطراب والفوضى.
وعلى المعارضة أيضا أن تحسم أمرها «الآن» وأن تتأكّد أنّ وضعها الحالي لا يُبشّر بخير على الإطلاق،عليها أن تتنحّى عن التشتّت وصراع الزعامات في اتجاه بناء هياكل وتصوّر بدائل للحكم ، عليها أن تنأى بنفسها عن تصيّد عثرات وزلات خصومها والخوض في الجزئيات وأن تترفّع عن المصالح الضيّقة لفائدة الاهتمام بالمصلحة العليا للبلاد التي تستدعي اليوم وجود مُعارضة موحّدة قويّة وفاعلة.
على هذه المعارضة أن تؤمن بأنّ ما جرى في البلاد «ثورة»، وعلى كلّ التونسيّين أيضا أن يعلمُوا أنّ بلادهم تتغيُر وأنهم مدعوُون «الآن» وأكثر من أيّ وقت مضى إلى المساهمة، كلّ من موقعه وكلّ حسب جهده ، وباليقظة والحذر وبروح المسؤوليّة الوطنيّة حتّى يكون المستقبل أفضل من الماضي والحاضر، فمستقبل تونس يُبنى الآن، واليوم بإمكان السلطة والمعارضة والشعب أن يُحدّدوا وأن يختاروا معا طبيعة هذا المستقبل كيف يكون؟.