كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحب لعائشة رضي الله عنها، إلا أن ذلك الحب لم ينسه العدل، ولم يجعله يظلم إحدى زوجاته يوما ما، بل كان شديد العدل بينهن في كل صغيرة وكبيرة، حتى إنه «كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: اللهم هذه قسمتي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» (رواه الترمذي). ومعنى قوله لا تلمني فيما تملك ولا أملك، أي الحب والمودة القلبية، كما قال أهل العلم. والمقصود بهذا الحديث أنه كان يطلب من الله العفو، وألا يؤاخذه بسبب حبه لبعض زوجاته أكثر من الأخريات، رغم أنه لا يظلم إحداهن في أي أمر بعيد عن المشاعر والحب. والأحاديث التي تبين ذلك العدل كثيرة؛ منها على سبيل المثال، ذلك الموقف الجميل الذي حدث في بيت النبوة، حين كانت عائشة وسودة تمزحان فلطخت عائشة وجه سودة فأعان النبي سودة على عائشة وابتسم.
روى أبو يعلى في مسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بحريرة قد طبختها له أي أنها أتته بنوع من الطعام ، فقالت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينهما: كلي، فأبت. فقلت: لتأكلين أو لألطخن وجهك. فأبت، فوضعت يدي في الحريرة، فطليت وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع بيده لها، وقال لها: الطخي وجهها أي أنه وضع من تلك الحريرة في يده لسودة لتلطخ وجه عائشة رضي الله عنها -، فلطخت وجهي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم لها. وهذا الموقف من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على مدى عدله بين زوجاته رضوان الله عليهن أجمعين. فكما أن عائشة قامت بتلطيخ وجه أم المؤمنين سودة بنت زمعة، أعان الرسول صلى الله عليه وسلم سودة على تلطيخ وجه عائشة، بأسلوب لطيف، وكأنه يقول لها هذه بتلك، دون أن يترك هذا التصرف منه صلى الله عليه وسلم في النفوس شيئا بين زوجاته. ياله من عدل رائع، حين يعدل النبي صل الله عليه وسلم حتى في حالات المزاح! يريد أن يكون العدل متحققا في كل الحالات، ولو كان ذلك على حساب أحب الأحباب، وكيف لا وهو الذي يطبق العدل على نفسه؟ فالحب لا يحيد بالمسلم عن درب العدل مهما حدث. وكان النبي إذا أراد أن يخرج إلى سفر، أقرع بين نسائه ولا يختار هو. عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها.» (رواه البخاري ومسلم). ويروي لنا أنس رضي الله عنه موقفا من مواقف العدل عند النبي مع من يحب. فعن أنس أنه قال: «أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم طعاما في قصعة، فضربت عائشة القصعة بيدها، فألقت ما فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: طعام بطعام، وإناء بإناء.» (رواه الترمذي والحديث في البخاري بلفظ آخر).