منذ ربع قرن يوم أعلن المخلوع عن بعث مشروع القرن بالجهة وذلك بتهيئة منطقة تبرورة والمواطن الصفاقسي يحلم بأن يقضي عطلة الصيف صحبة عائلته في مكان سياحي يذكره بنقاوة الهواء وجمال البحر الذي كان يرتاده في ما مضى. دخل فصل صيف جديد بحكومة جديدة وأوشك على النهاية ولكن بقي حلم الصفاقسي معلقا كالعادة بين السماء والأرض ينتظر أمرا وزاريا يضع حدا لسياسة العراقيل التي ظلت ملازمة لبعض المسؤولين الذين كانوا بحكم عقليتهم سببا في تهميش منطقتهم وضرب حصار مقيت أفقدهم مناصبهم فأضحوا غرباء في موطنهم. إن الغربة التي تجرع علقمها ابن الجهة المثابر القنوع آن لها أن تزول نهائيا من حياته كي ينعم كغيره من أبناء السواحل التونسية الخلابة بالعيش الكريم في مدينة نظيفة هواؤها نقي وشواطئها جذابة تأتي بالزائر القريب وبالسائح البعيد عبر وسائل نقل سريعة ومتطورة كالمترو الخفيف وحافلات النقل العمومي العصرية المكيفة تريحه عناء الاكتظاظ وفوضى التاكسي الجماعي.
منذ ربع قرن والمواطن الصفاقسي يحلم بالانطلاق الفعلي لمشروع مدينة المستقبل بعد أن تعددت الدراسات وأهدرت الأموال الطائلة بشتى الطرق. أما الآن ومنذ سنة بعد تعيين مسؤول جديد على شركة تهيئة منطقة تبرورة فقد تجدد الحلم في تسريع انطلاق الأشغال خاصة بعد اطلاعنا في مختلف الملتقيات داخل الجهة وخارجها على الدراسة العلمية الجديدة التي أعدت بالتعاون مع بعض الجهات الأجنبية من مرسيليا وقرونوبل وغيرها مع ما أتى به المهندس الجديد من أسلوب مبتكر يشرك المواطن في بلورة تصوراته حول شكل المدينة الجديد فيضعه في صلب الحداثة بفضل تركيز مبدإ الديمقراطية التشاركية الذي نشهد تطبيقاته في الدول المتقدمة والآثار الطيبة التي أتى به. نعود لنقول بأنه قد حان الوقت لكي نتخلص من سياسات الارتجال القائمة على إتباع النزوات والرغبة في التقليد دون تبصر أو سداد رأي. إن الحديث عن قرب انطلاق مشروع المترو الخفيف بصفاقس - على الأهمية التي اشرنا إليها سابقا – يجعلنا نتساءل عن اتجاهات مسالكه وخاصة المردود الاقتصادي لهكذا مشروع ضخم. فهل سيشمل الميترو المدينة بأكملها؟ أم سيقتصر على بعض الخطوط دون سواها؟
إن المطلع على الشكل الأخطبوطي للتوزيع العمراني داخل مدينة صفاقس وما شهده من انفجار ديمغرافي -كان في غالبيته فوضويا زاد في انسداد شرايينها بما في ذلك منطقة صفاقس 2000 الحديثة يدرك استحالة ولوج المترو وسط المدينة والاحواز المجاورة كمعتمديات صفاقس الشمالية والجنوبية والغربية وغيرها من الناطق المتاخمة لها٬ اللهم إذا صرفت الأموال الطائلة من اجل تغطية الحزام الواقي من الفيضانات لإحداث خط حديدي يربط شرق الولاية بغربها لا نرى جدوى اقتصادية في ذلك٬ إذ من الأجدى استثمار عشرات المليارات في مشاريع البنية الأساسية كإعادة تعبيد الطرقات وإحداث محولات جديدة (على صعوبة انجازها في غالب الأحيان لضيق المساحات) أو بعث مواطن شغل جديدة لأصحاب الشهائد العليا العاطلين عن العمل. على انه يبقى الشغل الشاغل للمواطن الصفاقسي موضوع تقنين قطاع التاكسي بإحداث رخص للتاكسي الجماعي وأخرى لتاكسي العداد فينظم القطاع وتتحسن ظروف الشركة الجهوية للنقل بصفاقس المتضرر الرئيسي من عشوائية قطاع النقل العمومي بالولاية برمتها. حقيقة لم يتسن لنا الاطلاع على المثال المصغر لشركة المترو الخفيف ومع ذلك يمكننا أن نسوق تصورا نراه منطقيا ومربحا لشبكة خط المترو الخفيف بجهتنا. ففي اعتقادنا أن المترو الخفيف ليكون حلم الموطن الثاني يجب أن يركز على المسارات التالية في شكلها الدائري ليكون له الأثر الاجتماعي والاقتصادي الجيد على المتساكنين بفضل الربط بين جل أحواز الولاية القريبة منها والبعيدة نسبيا:
الخط سيدي صالح محطة القطار صفاقس بعد إحداث محطة قطار كبيرة وعصرية بسيدي صالح مع إضافة خط حديدي خاص بقطار نقل البضائع محاذ لسكة المترو نظرا لأهميته التجارية دون التفكير في تحويل مساره على حساب مناطق فلاحية أخرى يشقها طولا وعرضا عبر الولايات المجاورة. على انه يجب الابتعاد عن فكرة إحداث تقاطع بين القطار والميترو بمحطة ساقية الزيت القديمة لما يمكن إن تتسبب في حوادث مروعة أثناء عملية التقاطع مثلما يحدث في العديد من بلدان العالم. الخط محطة القطار صفاقسالمحرس ليربط المواطن بشواطئ الشفار خاصة في فصل الصيف مما سيحد من حوادث الطرقات القاتلة على طرق قابس المكتظ أصلا. الخط سيدي صالح المحرس عبر مدينة الانس ليمتد جنوبا إلى معتمدية عقارب عبر منطقة الصغار مرورا بالمركب الرياضي الجديد المحاذي للطرق السريعة الجديدة . هذه في النهاية تطلعات مواطن من أبناء الجهة يترقب من أول حكومة شرعية منتخبة بإرادة الشعب أن تحسم في مثل هذه المشاريع المصيرية الكبرى بقرار صارم يضع حدا لمحولات المماطلة والتمطيط من قبل بعض الأطراف التي مازالت حبيسة عقلية وأساليب العهد البائد.