حدّثنا الإمام الشافعي في كثير من التراجم التي رصدت له عن نفسه، عن حياته وأخلاقه متخذا نفسه مثالا للناس ليخافوا ا& ويتقوه في أعمالهم في سرّهم وعلنهم، بل انه يكشف عن سلوكه العلمي، وعن تواضعه، وما يمتاز به أئمة السنّة مطلقا هو عدم تعصبهم وانغلاقهم الفكري ودفاعهم المستميت عن أفكارهم مهما كان صائبة أو خاطئة. وقد رأينا هذه المزية لد مالك بن أنس وأبي حنيفة النعمان. أما الشافعي فيقف موقفا لافتا من مناظريه اذ لا يبحث في مناقشاته وحواراته الا عن الحق سواء نطق به هو أم نطق به محاوره يقول مبينا معلما من معالم المناظرة: ما ناظرت أحدا قط الا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان، ويكون عليه رعاية من ا& عزّ وجلّ. وما كلّمت أحدا قط الا لا أبالي أن يبيّن ا تعالى الحق على لساني أو على لسانه، وما أحببت أن يخطئ. وسئل الشافعي عن مسألة فسكت فقيل له: لملا تجيب، فقال: حتى أعلم الفضل في سكوتي أو في الجواب. وكان الشافعي ينهى عن تكفير المسلمين، واذا كفّر أحدهم صاحبه اذا خالفه يقول الشافعي: العلم انما يقال فيه: أخطأت لا كفرت! ولا يوقف الشافعي الدنيا على كلامه وأقواله وآرائه فكان يقول: اذا صحّ لكم الحديث فخذوا به ودعوا قولي. الشافعي وابنة الإمام أحمد بن حنبل كانت للإمام أحمد بن حنبل ابنة صالحة تقوم الليل وتصوم النهار وتتابع أخبار الصالحين، وتودّ ان ترى الإمام الشافعي لتعظيم أبيها له. وزار الإمام الشافعي بيتها وبات عند والدها. ففرحت الفتاة أيما فرح لترى أفعاله وتسمع ما يقوله. فلما جاء الليل قام الامام احمد يصل يصلّي ويذكر والشافعي مستلق على ظهره لا يصلّي، والفتاة ترقبه الى الفجر، وتعجبت كيف لا يقوم الضيف للصلاة ولا يتعبّد ويتهجد مثل والدها! وسألت أباها: يا أبت، أن تعظّم الإمام الشافعي وما رأيت له في هذه وكان الشافعي لا يني يفكر ويجتهد ليلا ونارا ليؤلف ويقدّم ثمار اجتهاده كما في هذه النادرة: الليلة لا صلاة ولا ذكرا ولا قرأ وردا ولا دعا دعاء! فبينما هما في الحديث اذ قام الامام الشافعي فسأله ابن حنبل : كيف كانت ليلتك؟ فقال : ما رأيت أطيب منها ولا أبرك ولا أربح! فقال: كيف ذلك؟ قال : لأني رتّبت في هذه الليلة مائة مسألة وأنا مستلق على ظهري كلّها في منافع المسلمين. ثم ودعه ومضى. فقال احمد بن حنبل لابنته : هذا الذي عمله الليلة وهو نائم أفضل من الذي عملته وأنا قائم.