اعتمد الشافعي في مذهبه على المذهبين المالكي والحنفي إذ بعد ان لقي مالكا بن أنس في المدينة ودرس على يديه كتاب الموطإ لقي محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة في العراق وأخذ عنه وناظره، ثم رحل الى مصر واستقر فيها الى سنة وفاته سنة 204ه، واستنبط مذهبا متوسطا بين المذهبين اذ هو يأخذ باعتدال الأصلين الحديث الشريف والرأي، لا يسرف في هذا ولا ذاك، وهو لا يعتمد مطلقا على عمل أهل المدينة بل يعتمد في الحديث حتى على خبر الواحد الثقة، وإن لم يكن مشهورا ويشترط في القياس ان يكون له أصل في الكتاب والسنة واشتهر بتآليفه كتاب الأم في الفقه وهو في سبعة مجلدات. وله تآليف عديدة منها المسند وأحكام القرآن والسنن والرسالة واختلاف الحديث. قال أحمد بن حنبل عنه: ما أحد ممن بيده محبرة او ورق إلا والشافعي في رقبته منّة، وجاء عنه في «ترتيب المدارك» للقاضي عياض «كان الشافعي الموفق بين المذهبين المالكي والحنفي». فقد تضلّع الشافعي من علوم القرآن والحديث وكلام الصحابة وآثارهم خاصة في «معرفة كلام العرب واللغة العربية والشعر، حتى أن الأصمعي مع جلالة قدره في هذا الشأن قرأ عليه اشعار الهذليين» كما جاء في ترجمة الشافعي في كتاب «وفيات الأعيان» لابن خلكان. وقال المبرّد كان الشافعي من أشعر الناس وآدب الناس»: وللشافعي ديوان شعر مطبوع عديد المرات حافل بالاشعار الأخلاقية والنصائح التربوية حاث على طلب العلم والتحلي بالأخلاق الفاضلة والتحذير من المنافقين المتظاهرين بما ليس من صفاتهم الحقيقية. ويوصي الشافعي بالاعتماد على النفس وتوخي القناعة سلوكا في الحياة، والتزيّن بعزّة النفس وغناها من شعره: صن النفس واحملها على ما يزينها تعش سالما والقول فيك جميل .. وان ضاق رزق اليوم فاصبر الى غد عسى نكبات الدهر عنك تزول وتعجّ عديد أشعار الشافعي بالتباهي بأخلاقه وعلمه والافتخار بانكبابه على الدراسة وتلقي العلوم والبحث والتنقيب بينما غيره تراه لا يكف عن طلب المتع، وتحقيق رغباته الحسية. يقول كما ورد في مناقبه: سهري لتنقيح العلوم ألذّ لي من وصل غانية وطيب عناق وصرير أقلامي على صفحاتها أحلى من الدوكاء والعشاق وتمايلي طربا لحلّ عويصة في الدرس أشهى من مدامة ساق وأبيت سهرات الدجى وتبيته نوما وتبغي بعد ذاك لحاقي؟ وكان الشافعي متبتّلا في حياته، وقد قسم الليل الى ثلاثة أقسام: ثلث للعلم وثلث للصلاة وثلث للنوم. وكان يختم القرآن في اليوم مرة وفي رمضان يختم ستين مرة في الصلاة مثل أبي حنيفة. وكان يقول: «ما شبعت منذ 16 سنة لأن الشبع يثقل البدن ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة».