تحدث أحد كبار السن عن رمضان في السنوات الخوالي التي لم يكن فيها مذياع أو تلفزة قائلا: في ذلك الوقت كان من يملك مذياعا يعتبر موسرا وعند اقتراب قدوم شهر الصيام نعتمد على «الرؤية» لكننا رغم ذلك نكلف واحدا منا فيتوجه الى القرية يتصنت اخبار حلول الشهر المبارك، ليعود الينا في ساعة متأخرة من الليل قد تستمر حتى الصباح الباكر ليزف إلينا بشرى حلوله. كما كنا نعتمد في إفطارنا على وميض المدفع بمدينة القيروان، اذ كان الأطفال والشبان يقفون على المرتفعات او يصعدون فوق الجدران الواطئة ليتمكنوا من رؤية الوميض. فلم نكن نعرف من الأطعمة سوى «شربة تشيش الشعير» او «الحلالم الدياري» او«البازين التركي» فلا مأكولات مصنفة كما هي الحال اليوم. أما السحور فحليب وتمر. وعن اللحم فحدّث ولاحرج فلم نكن نعرف الجزارين وإنما كنا بين الحين والحين نذبح شاة او خروفا ونتقاسمه بيننا بلا ميزان. وكنا نقرأ حسابا للمحتاجين، وبالنسبة الى الخبز فتعده النسوة «خبز طابونة» او «رقاق» أما «الخبز السوري» فهو لا يدخل بيوتنا الا إذا صادف ان قصد احدنا مدينة القيروان فيعود ببعض الخبز نأكله للتبرك. سهراتنا عائلية نتحدث فيها عن بطولات «بوزيد الهلالي» وذكاء «الجازية» او حكايات عن الرسول والصحابة بعد أداء صلاة التراويح في البطحاء على ضوء القمر أو فانوس نفطي. الشبان يسهرون في الحوانيت يلعبون الكارطة وينظمون أحيانا مباريات بين المداشر جائزة المهزوم فيها «الزغاريد» أما في النهار فقد يرافق بعضنا أغنامنا الى المراعي. وفي العشية نلعب «الخربقة».