ظلّ القطار الرابط بين تونس العاصمة ومدن الشمال الغربي قبلة العديد من المسافرين الّذين يجدون فيه الأمان غير أنّ خدماته تردّت إلى درجة هروب المسافر اليوم نحو وسائل النقل العمومية الأخرى بل ان اغلبهم اصبحوا يهددون بمقاطعة مثل هذه الرحلات. عن مسافة تزيد عن مائتي كيلومتر يمتدّ الخطّ الحديدي من تونس العاصمة إلى غاية مدينة غار الدماء مرورا بمدينتي باجةوجندوبة ويعرف هذا الخط الحديدي حركية كبرى من خلال تنقل المسافرين وخاصة جمهور الطّلبة . غير أنّ خدمات هذا الخطّ آخذة في التدهور من سنة إلى أخرى ورغم التذمّر الواضح لدى الجميع من هذه الوضعية لم تحرّك الشركة ساكنا وبقي الوضع على علّته .
سفرات مملّة وتأخيرات قياسية
المشهد يتكرّر يوميا على طول هذا الخطّ. مسافرون ينتظرون وصول القطار في موعده دون احترام لذواتهم يلفح وجوههم لهيب شمس حارقة أوبرد لاذع يقطّع الأوصال في جهة تعرف متناقضات كبيرة في عالم المناخ وهم صابرون همّهم الوحيد أن يأتي القطار خير من أن لا يأتي بعد أن تورّطوا ودفعوا معلوم التذكرة .
ستّ عشرة محطّة توقّف لقطار باجةجندوبةغار الدماء. وسكّة واحدة تؤمّن الرّحلات ذهابا وإيّابا وتقوم بعملية التقاطع بالمحطّات فلا عجب إذا أن تمتدّ الرحلة بين باجةوتونس مثلا أكثر من 3 ساعات وفي أكثر من سفرة في حين تطمئنك روزنامة القطارات بأنّ السّفرة لن تتجاوز ساعة وخمسين دقيقة وللرّاكب أن يتخيّل حجم التأخير بين نقطة انطلاق الخطّ ( تونس ) وآخر نقطة وصول ( غار الدماء ) حيث يمكن أن نتحدّث عن تحطيم لأرقام قياسية في التأخّرات يسمح بدخول كتاب «غينيس» من الباب الكبير .
قاطرات تجاوزها الزّمن
حين يستقلّ المسافر القطار فإنّه يمنّي نفسه بأن يجد مقعدا يكفيه شرّ الوقوف ولكنّه حين ينفذ إلى داخل العربات يكتشف حالة القاطرات بهذا الخطّ فهي اليوم أمام كثرة المسافرين أضحت شبيهة بعربات المعتقلين خلال الحرب العالمية الثانية. أبواب معطّبة ومكيّفات لا تعمل في عزّ هذا الصّيف وحرارة خانقة تكاد تقطع الأنفاس فيضطرّ مكرها إلى الوقوف خارج العربة بجانب الأبواب بعد أن يئس من إيجاد مقعد داخلها وهو يبحث عن سبب واحد يقنعه حول وجاهة قرار الفنّيين بالشركة باعتماد مثل هذه العربات بهذا الخطّ بالذّات وكذلك اقتصارهم على 5 عربات لتأمين نقل الأعداد المتزايدة للمسافرين .
محطّات في حالة سيّئة
المعروف أنّ خطّ السكك الحديدية للشمال الغربي ومحطّات المسافرين يعود إنشاؤهما زمن الاستعمار الفرنسي وإلى حدّ اليوم بقي الوضع على حاله وفي كلّ مرّة يتناهى إلى مسامعنا برامج ومشاريع لتحديث ما هو موجود وكأنّ المواطن في هذه الرّبوع ليس من حقّه أن ينعم بمحطّة عصريّة يجد فيها خدمات راقية او أن يمتطي عربات قطار سريعة قادرة على تلافي تأخيرات أضرّت كثيرة بصورة الشركة وبمصالح المواطنين على حدّ السّواء . واليوم وبعد الثورة حان الوقت لأن تولي وزارة النقل اهتماما واسعا بهذا الخطّ الحديديّ للقطع مع نقائص عديدة حتّى لا تبقى الومضات الإشهارية الّتي يقع تمريرها مجانبة للحقيقة وحتّى يكون معلوم ما يدفعه المسافر في علاقة بالخدمات المتوفّرة .