تقع رسالة الشافعي في أصول الفقه في شكل سؤال وجواب، يعتمد فيها كثيرا على أحاديث نبوية رواها الإمام مالك بن أنس. وقد بيّن الشافعي في هذه الرسالة أصول الفقه، يتمثل الاصل الاول في القرآن الكريم، فما نزل منه عاما فقد بيّنته السنة النبوية، والواجب اتباع الرسول محملا بقوله تعالى في سورة النساء (آية 80): «من يطع الرسول فقد أطاع ا&» لأنه هاد لمن اتبعه اذ هو يتبع ما يوحى اليه. يقول الشافعي: «ما سنّ رسول ا& فيما ليس & فيه حكم فبحكم ا& سنّه، وكذلك أخبرنا ا& في قوله تعالى «وانك لتهدي الى صراط مستقيم، صراط ا&».
فالأصل الثاني هو الحديث النبوي الشريف على أن «يكون من حدّث به ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه، عاقلا لما يحدّث به، عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، وأن يكون ممّن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع، لا يحدّث به عن المعنى، لأنه إذا حدّث به عن المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه لم يدر لعله يحيل الحلال الى الحرام، وإذا أدّاه بحروفه فلم يبق وجه يخاف فيه إحالته الحديث».
والشافعي يعتمد خبر الواحد وإن لم يوجد له نص حكم في كتاب ا&، ومما يؤيد ذلك هذا الخبر عن رسول ا& صلى ا& عليه وسلم يورده الشافعي في رسالته عن التقبيل في شهر رمضان، قال: «أخبرنا مالك عن يزيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلا قبّل امرأته وهو صائم فوجد من ذلك وجدا شديدا، فأرسل امرأته تسأل عن ذلك فدخلت على أم سلمة أم المؤمنين فأخبرتها فقالت أم سلمة، ان رسول ا& يقبّل وهو صائم.
فرجعت المرأة الى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرّا، وقال: لسنا مثل رسول ا& يحل ا& لرسوله ما شاء، فرجعت المرأة الى أم سلمة فوجدت رسول ا& عندها فقال رسول ا& ما بال هذه المرأة؟ فأخبرته أم سلمة، فقال ألا أخبرتها أني أفعل ذلك!
فقالت أم سلمة: قد أخبرتها، فذهبت الى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرّا، وقال: لسنا مثل رسول ا&، يحل ا& لرسوله ما شاء، فغضب رسول ا& ثم قال: وا& إني لأتقاكم &، ولأعلمكم بحدوده.
يستنتج الشافعي من قول النبي صلى ا& عليه وسلم، ان خبر أم سلمة عنه مما يجوز قبوله لأنه لا يأمرها بأن تخبر عن النبي الا وفي خبرها ما تكون الحجّة لمن أخبرته. أما الأصل الثالث للتشريع بعد القرآن والحديث فهو الاجماع فيما ليس فيه نص من القرآن أو الحديث أي اجماع الصحابة، ومن أدلّة الشافعي على هذا الاصل قول عمر بن الخطاب، إن رسول ا& قام فينا كمقامي فيكم فقال: أكرموا أصحابي ثم الذين يلونهم الذين يلونهم...
أما الأصل الرابع فهو القياس فيما لا كتاب فيه ولا سنّة ولا إجماع. والقياس عند الشافعي هو الاجتهاد، يقول: هما اسمان لمعنى واحد، ويقول: «الاجتهاد أبدا لا يكون الا على طلب شيء، وطلب شيء لا يكون الا بدلائل، والدلائل هي القياس» (ص 220 من رسالة الشافعي، طبعة تركيا 1986).