تعيش مؤسسة التلفزة التونسية حالة مخاض بعد التعيينات الأخيرة وتحرك النقابات دفاعا عن استقلالية المؤسسة.وديع بالرحومة من المنتجين الذين أثبتوا كفاءة ومثابرة في البرامج الثقافية التي تخصص فيها قبل سنوات كما اتجه مؤخرا إلى البرامج الدينية والبرنامج الصباحي اليومي «صباح الخير». «الشروق» التقته في هذا الحوار حول مؤسسة التلفزة وتجربته في الانتاج.
لاحظنا غياب البرنامج الصباحي «صباح الخير» الذي تحول إلى محرار للحياة الثقافية والسياسية لماذا هذا الغياب؟
لي في هذه المساحة التلفزية أكثر من عشر سنوات عملت خلالها مع الصديقين زكية الحديجي والحبيب بن محرز واضطلعت بمهام عدة من الانتاج إلى التقديم إلى انجاز الريبورتاجات. هلت علينا الثورة وشملت عواصف التغيير كل البرمجة التلفزية تقريبا وقد ارتأت إدارة مختار الرصاع في الأشهر الأولى للثورة تكليفي بهذا البرنامج وقد حاولنا خلال موسم ونصف أن يكون نافذة حقيقية للأصوات الحرة من خلال تشكيلة متنوعة من الفقرات ورؤساء الأركان الذين كان جزء هام منهم مغضوب عليه في العهد السابق ومررنا ضيوفا وأخبارا ورديبورتاجات لم يكن بالإمكان تمريرها حتى في النشرات الاخبارية.
وكان الاتفاق مع الادارة منذ البداية أن تكون العودة في انتظار انجاز ديكور وتحسين وسائل الانتاج لكن عقلية المؤقت الذي يدوم انسحبت على الوضع الحالي وتواصلت معاناتنا من ظروف أقل ما يقال فيها إنها رديئة وسيئة وتنعكس وجوبا على ما يقدم على الشاشة وقد قلت عديد المرات ان الاستمرار في هذه الظروف ستقودنا حتما إلى إيقاف التجربة وجرت العادة ان يتوقف البرنامج في شهر رمضان بطبعه حتى شمل التغيير من جديد في مستوى إدارة المؤسسة والقناتين واتفقنا مع إيمان بحرون على إيقاف البرنامج لمدة أسبوعين إلى حين تنظيم البيت من الداخل. سيعود البرنامج في شكل جديد قريبا
أنت تنتج أيضا برنامجا دينيا كيف جئت إلى هذا العالم؟
أنتجت هذا البرنامج الديني مباشرة بعد الثورة وهو أول برنامج ديني دون رقابة وقد كان هدفي مصالحة المشاهد التونسي مع هويته التونسية العربية الاسلامية دون تطرف أو إسفاف ودون تأثر بالاعلام الديني الخليجي الذي ينشر سمومه باسم الدين. وقد اعتمدت عالمين وهما زهير الجندوبي الذي أصبحت تتخاطفه وسائل الاعلام والمنابر الحوارية الدينية لأطروحاته المعتدلة والدكتور نور الدين الخادمي الذي كلف بوزارة الشؤون الدينية والرجل قيمة علمية ثابتة رغم الاتهامات التي سلطت عليه بعد توليه الوزارة. وشخصيا أنا متصالح مع ذاتي فلم أكن تجمعيا ولن أصبح نهضويا. فقط أشير أنني من عائلة زيتونية معتدلة فوالدي امام خطيب وأحفظ سورة البقرة منذ ان كنت في الخامسة وأنا تونسي بكل الخصوصيات التونسية.
كيف تقيم أداء البرامج الثقافية على القناة الأولى وتقييمك لموسم المهرجانات الصيفية؟
هذا السؤال يفترض وجود برامج ثقافية التي تكاد تكون شبه غائبة على القناتين ولعلي أجزم أن وضع البرامج الثقافية على القناة الأولى والثانية أسوأ مما كانت عليه قبل الثورة الأمر الذي اضطرني لتغطية المهرجانات الصيفية رغم انشغالي بالبرنامج الصباحي اليومي الذي يكلفني 14 ساعة من العمل يوميا. اما فيما يخص تقييمي للمهرجانات وخاصة الحمامات وقرطاج فإن وزارة الثقافة نجحت إلى حد كبير فيما طرحته من عروض وتصورات وخاصة نجاحها بتكاثف جهود الأطراف الأخرى في المسألة الأمنية في مناخ مشحون بالتوتر عدا بعض التجاوزات القليلة في المناطق الداخلية الساخنة والسؤال المطروح على الوزارة والفنان التونسي بشكل خاص يبقى دائما ما جدوى برمجة فنانين تونسيين في قرطاج في غياب شبه تام للجمهور.
الاعلام العمومي وخاصة التلفزة بقناتيها محور تجاذبات سياسية كبيرة كيف ترى المستقبل وما موقفك من محاولات توجيه الاعلام وأي دور للإعلاميين في هذا؟
الاعلام العمومي وخاصة المرئي الذي انخرط فيه منذ أكثر من 18 سنة بعد الثورة يذكرتي بالتجربة التي قمت بها في الشقيقة ليبيا حيث قضيت موسما هناك تداول فيه على الادارة خمسة مديرين عامين وكانت فوضى عارمة لا تصورات ولا استراتيجية واضحة رغم الإمكانيات الضخمة المتاحة هناك بالنسبة لنا نعيش نفس المناخ تقريبا مع قلة الإمكانيات، لكن رغم هذه الفوضى الخلاقة التي يعيشها الاعلام العمومي فان الخطوات التي قطعت في اتجاه حرية الرأي والانفتاح على كل الأفكار والتيارات اعتقد انها خطوات مهمة فلن ننسى ما عاشه الاعلام من ضغوطات تحت حكمي بن علي وبورقيبة.
ومن موقعي الشخصي كمعد برامج للتلفزة أشرف على برنامج يومي أشهد أنه لم يتم الاحتراز من الإدارات المتعاقبة بعد الثورة على أي موضوع اقترحته أو أي ضيف استضفته، وان كانت الصورة التي تصل الى المشاهد لم تعكس هذا المناخ الجديد فضروري أن تعقد ندوات وحلقات حوار حول العلاقة بين المؤسسة والجمهور الواسع.
تعيين المديرة الجديدة للمؤسسة لم يمر دون احتجاج ورفض من النقابات كيف تنظر للمسألة؟
رفض النقابات موقف احترمه وأقدره لكني أخاف كل الخوف من الدخول في منطق الرفض من أجل الرفض والحقيقة أنني ضد التعيين الأول والثاني لأنه من غير المعقول تكليف أي كان بمؤسسة مثقلة بالمشاكل المادية والإدارية وانتظار الاصلاح في ظرف زمني قياسي وأعتقد أنه كان بالإمكان المواصلة مع الأستاذ المختار الرصاع حتى الانتخابات القادمة الذي برهن أنه قادر على المضي بالموسسة إلى وضعيات أفضل مما هي عليه الان لكن بعدما حدث الآن فأعتقد أن إيمان بحرون بعد تجربتها القصيرة في القناة الثانية أثبتت ان بإمكانها تحسين مردودية المؤسسة ورغم ما قيل حول مغازلتها للأحزاب الحاكمة فإني أنزه السيدة الكريمة وأرجو أن يترجم هذا في توجه المؤسسة والخط التحريري للفنانين.
بماذا يمكن أن تختم؟
أقول لكل الزملاء في الاعلام العمومي والخاص أننا للأسف الشديد نعيب زماننا والعيب فينا ولزملائي في التلفزة التونسية ابعث لهم برسالة حب وندائي لهم أن نتضامن ونتماسك ونتماهى في حب المؤسسة التي مرت بها أجيال وهي أكاديمية السمعي والمرئي وكل القنوات الخاصة استفادت من المؤسسة بل حتى الفضائيات العربية استفادت من الكفاءات التونسية وللأسف لاحظنا أن مؤسسة التلفزة الوطنية تمت الاستهانة بها بعد الثورة وستكون هذه المؤسسة مرفقا عموميا أحب من أحب وكره من كره.