في البلدان المتحضرة يحجّر استعمال المنبهات الصوتية لكل وسائل التنقل داخل العمران لأن ذلك يعتبر من الملوثات البيئية و اعتداء على حرية الآخرين، ويُعاقب مرتكبوها تطبيقا للقوانين الجاري بها العمل كما هو الحال بالنسبة لجميع قوانين المرور الأخرى. أما في بلادنا فإن مستعملي السيارات الخاصة والشاحنات والحافلات المتعجرفون لا يتحرّجون من إطلاق العنان لمنبهاتهم بسبب أو بغير سبب حتى في الفترات الأخيرة من الليل الذي جعله الله لباسا، أي حينما يكون المتساكنون في سبات عميق، فلا يهمهم إن هم أيقظوهم وأزعجوهم وروّعوهم ومن راحتهم حرموهم، بل إنهم يعتبرون ذلك وسيلة للتعبير عن فرحة، ومكمّلا مشروعا لاحتفائهم وهم يشاركون في ركب العرسين العائدين من قاعة الأفراح فيسبب الصخب طوال المسافة دون أي ردع يأخذ بثأر النيام الأبرياء كبيرهم وصغيرهم مريضهم و سليمهم.. فأين هو القانون في بلادنا، وأين من يطبّقه، ومتى سنرقى إلى درجة البلدان التي تفرض فيها قواعد العيش الحضاري السليم؟
وممّا زاد الطين بلّة تفاقم استعمال الدراجات النارية لدى متساكني مدينة المهدية في السنوات الأخيرة، حيث تعددت أصنافها وتدعم أسطولها بصنف من الوزن الثقيل الذي يتميز بمحرك قوي يقطع بواسطته الأنهج بسرعة جنونية ودويّ يتحكم السائق المتعجرف في رفع صخبه فيصم آذان كل سكان الحي الذين اجتازه، وقد يعمد أيضا إلى سحب جهاز الحدّ من الدويّ والدخان المنبعث من مدخنته (الشاكمون) متسببا في التلويث الصوت والهواء معا شماتة مجانية لإخوانه البشر، ووسيلة للفت النظر إليه مشنجا أعصابهم، وتعكير صفو راحتهم فيلعنون ويسبّون وقد يدخلون في مناوشات وخصومات.
ولقد فاض بنا الكأس ذات مرة فقصدنا مكتب أعلى مسؤول أمني جهوي بولاية المهدية للفت نظره إلى ما نقاسيه من تبعات هذه الحالة المتفاقمة من التلوث السمعي فأجابنا آنذاك بكل بساطة بأنه لا توجد لديه تعليمات فيما يتعلق بالبيئة «الصوتية»... غادرنا مخفر الشرطة ونحن على أشد ما نكون من خيبة الأمل والحزن والأسى نغبط من يعيشون في ديار الغربة حيث يُحافظ حقا على الأمن والأمان وحقوق الإنسان... كان ذلك قبل الثورة فليتنا بعدها نوجه العناية العاجلة ونفكر بصفة جدية في تقنين ومتابعة وردع من ساهم في تفاقم هذه الظاهرة علّنا نتعود على احترام حق الغير في بيئة حضرية نظيفة وسليمة.