تستضيف الجمهورية الإسلامية الإيرانية مؤتمر قمة دول حركة عدم الإنحياز في دورتها السادسة عشرة والتي سيجتمع خلالها رؤساء وممثلو120 دولة في طهران من 30 إلى31 أوت الجاري. إن الدور الذي تلعبه هذه الحركة مهم جدا لتمتعها بالأسس والقيم السامية وخلفيتها الناصعة فمن أهم أهدافها رفض الهيمنة وتعزيز التعددّية والوحدة والتضامن والتماسك بين البلدان النامية والدفاع عن السلام والأمن الدوليين والرقي وتنمية السلام المستدام والحث على إحترام حقوق الإنسان والحريّات الأساسيّة للجميع والحفاظ عليها. لا شك بأن تأدية مثل هذا الدور في الظروف الراهنة الحساسة تتطلب مزيداً من التنسيق الجاد بين الدول الأعضاء للحركة.
فترحيب الدول الأعضاء لحركة عدم الإنحياز بإقتراح إيران لاستضافة الدورة السادسة عشرة يدل علي ثقة أعضاء الحركة بالدور الفاعل للجمهورية الإسلامية الإيرانية في المضي قدماً نحو تحقيق الأهداف المنشودة للحركة.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية طبقاً لأصولها الثابتة المنصوصة في سياستها الخارجية وإيمانها بمبدأ اللاشرقية واللاغربية المنبثقة عن مبادئ ثورتها الإسلامية انضمت الى حركة عدم الإنحياز عام 1981 مباشرة بعيد الثورة. كما إنها خلال السنوات الواحدة والثلاثين الماضية تمكنت من لعب دور فاعل في الحركة حيث ساهمت وبشكل ملحوظ في كل الإجتماعات وعلى مستويات مختلفة كماكان لها التأثير في إتخاذ ما يتعلق بالمواقف والقرارات للحركة بشأن القضايا الهامة الدولية. التحديات التي تواجهها هذه الحركة تجعل مهمة إيران صعبة خلال فترة رئاستها في السنوات الثلاثة المقبلة. إن من أهم التحديات هي صعوبة إتخاذ قرارات جماعية و مقنعة فيما يتعلق بمعظم القضايا السياسية بما في ذلك قضية فلسطين نظراً لتباين الأفكار والآراء كنتيجة للإرتفاع الملحوظ في عدد الدول المنتمية الى الحركة في فترة ما بعد الحرب الباردة. كذلك في الجانب الاقتصادي فإن حركة عدم الإنحياز لم يتسن لها تحقيق الهدفين الرئيسين وهما التقدم الاقتصادي المتكافئ ومكافحة الفقر.
مواجهة هذه التحديات وغيرها من الأزمات التي يواجهها العالم عامة والدول العربية والإسلامية خاصة وما نعيشه في الشرق الأوسط من محاولات القوي الكبري الإنتهازية لبسط هيمنتها تحت ذرائع مختلفة تتطلب تعاوناً حقيقياً لأعضاء حركة عدم الإنحياز. إن حركة عدم الإنحياز تتمتع بالطاقات والقدرات الكبرى غير المستخدمة لمواجهة التحديات المعقدة التي تثير قلق العديد من الدول الأعضاء في الحركة. فهي ثاني أكبر تجمع دولي بعد الأممالمتحدة وتمثل نحو 55 بالمئة من سكان العالم والدول المنخرطة فيها تشكل حوالي ثلثي أعضاء الأممالمتحدة. لذا فإن الحركة بإمكانها أن تلعب دوراً مؤثراً في توفير التقارب السياسي والإقتصادي والأمني بين الأعضاء والإرتقاء بمكانتها العالمية. رغم الجهود الحثيثة لتعزيز آليات حركة عدم الإنحياز يبدو أنه يتعين على جميع أعضاء الحركة القيام بإعادة هيكلتها بشكل فاعل للإرتقاء بأهدافهم المشتركة ومواجهة التحديات والمشاكل.وفي هذه العملية يشكل التنسيق الدائم بين أعضاء الحركة امراً ضروريّاً مع ايلاء الإهتمام بالمبادي والأهداف والقرارات والمواقف التي ادرجت في وثائق الحركة السابقة.
يستوجب على الحركة في ظل الاجواء الجديدة للسياسة الدولية ونظراً للهواجس الجدية لعديد من الشعوب الراقية المُحبة للسلام أن تنظر إلى المخاطر التي تترتب على هيمنة النظام الرأسمالي حيث لا ينبغي أن يواجه دور الحركة اي ضعف وانفعال فحسب بل المطلوب منها أنتقوم بأداء دورها التاريخي لإقرار عالم متعدد الأقطاب والخطوة الأولى في هذا المسار هي إعادة تعريف دور الحركة ومكانتها لتغيير التموقع من الإنفعال الى الفعالية. في الوقت الراهن لا يخفي علي أحد بأن التواصل السياسي بين أعضاء الحركة ليس كما يجب. كما إن الحرية تعاني من غياب خطة إقتصادية هادفة لوصول الدول الأعضاء الى تنمية مشتركة ومستدامة، حيث لحد الآن لم تنعقد أية إتفاقية تجارية أو إقتصادية بين الأعضاء في إطار الحركة .
وأخيراً تعزيز العلاقات الأمنية الذي يعتبر أحد المواضيع التي لم تتخذ في شأنه أية خطوة عملية. الجمهورية الإسلامية الإيرانية تؤمن بضرورة إصلاح حركة عدم الإنحياز وتجديد حياتها نظراً للتطورات المتسارعة العالمية حتى تصبح مؤهلة لمواجهة المسار الأحادي الجانب والضغوطات التي تمارسها الأطراف المتغطرسة وأن تؤدي دوراً بارزاً وتعوض قسماً من عدم فاعلية النظام الدولي القائم. عنوان مؤتمر القمة في طهران هو «السلام المستدام على ضوء الإدارة العالمية المشتركة» وبفضل توظيف كل مبادراتها المؤثرة خلال رئاستها على الحركة وفي إطار تحقيق أهداف الحركة السامية، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية سوف تبذل جهوداً جبارة لتنفخ روحاً جديدة وحيوية أكثر في هيكلة حركة عدم الإنحياز إن شاء الله.