الشاعر شمس الدين العوني هنا يعود الى الماضي السحيق لياتي به الى الآن الى اللحظة الراهنة و لكن لا يفعل ذلك بشكل عفوي و اعتباطي وانما ليشير الى المستقبل .. اذن نلاحظ في قصيد شعري وأجد اختزل كل التاريخ الانساني وجمّعه بين يدي طفله في لعبة الدمى .. وكأنه يريد أن يشير الى عبثية الحياة ..الى قواعد .. يضبطها من يتحكم في مصائر غيره ويقودهم الى حيث يعتقد أنه الأفضل له .
ولعلّ عبثية الفكرة هنا تحيلنا الى وجود بلا معنى.. وبلا هدف.. ولعل» الكاتب يميل الى هذا المنزع الوجودي على طريقة سارتر كطريقة لمواجهة العولمة المربكة و فوضاها البائسة المخلّة بتناسق الكون و تعايش شعوبه.. بفرض وصايتها على الشعوب واستغلال ثرواتها وطمس هويتها واذابة خصوصيتها في مفاهيم تمويهية كالقول بالانسان الكوني و الذي ليس سوى الانسان الأمريكي بكل شروطه الاقتصادية و الثقافية و الجمالية...
ولعلّ الحتميات التي تفرضها العولمة المتوحّشة.. الم تكن الوجودية السارترية ايضا بما هي انسحاب من الحياة صرخة مدوية في مواجهة ما تعرّض له الانسان في الحربين العالميتين من دمار شامل وفوضى عارمة .. وظلم فاحش و موت عنيف.. أليست طريقة لرفض ما حلّ بالانسان من اهانة وبؤس ولامبالاة.. لقد كانت الوجودية بمعنى ما طريقة لاستعادة قيمة الانسان ومعناه.. وربما لذلك جعل سارتر الانسان يواجه قدره .. وحيدا.
ولأن الشاعر يختلف عن الفيلسوف فان الشاعر شمس الدين العوني يجعل الانسان يواجه مصيره مدججا بالقيم الابداعية الجميلة ولذلك نجده يشرق بزخّة أمل في لوحة رسام وفي منحوتة خزفية تصقلها يد الفنان ... لذلك يهتف الشاعر : في قصيدة «جدول الرغبات عصافير أحمد» (ص 21): «... أنا حاضن هذا الرّكام المنسي أنا جدول رغباتكم حين تطغى الحشرجات».
بهاء النثر والبساطة المكثّفة:
يختار الشاعر القصيدة النثرية في شكلها الحديث الذي يعتمد على بناء القصيدة في تقنية يختار لها الشاعر البساطة الرهيفة والعمق الحاد.. لذلك تبدو لغة الشاعر عفوية يتعامل معها بسهولة و يسر .. فيبتعد عن التعقيد المركّب أو الاصطناع الزائد في التعامل مع اللغة .. ويقترب من صفاء اللغة وعمق الفكرة.. لذلك تتراوح اسطر القصيدة بين القصر الشديد حيث لا يحتمل السطر الواحد غير كلمة واحدة فقط. وبين الجملة المطوّلة التي تمتدّ على سطر وأحيانا حيث تشتدّ الفكرة وتغصّ بالمعنى فانه ينحاز الى فقرة مكثّفة تختزل جملة من المعاني وتحيل ربما الى سياقات مختلفة.. ولعلّ هندسة القصيدة عند الشاعر شمس الدين العوني تعبّر من جهة عن طبيعة اللحظة الشعرية المتردّدة والقلقة وعن رغبة في مواكبة تطورات قصيدة النثر بما يجعله أحد كتّابها المميزين في المشهد الشعري العربي. انتهى