كلما امتدت الأزمة في الشام مدى وحيزا زمنيا .. كلما سقطت الأقنعة وتجلت المخططات وبانت المؤامرة وظهرت بوضوح ارتسامات العقل التخريبي الساعي إلى تدمير سوريا المؤسسات , ومحق الشام الدولة , وتفتيت أرض سوريا الحاضنة الاجتماعية والطائفية , وإعدام الدور السوري المقاوم والممانع .. الكلّ في سوريا مستهدف من العقل التكفيري - المموّل خليجيا وأمريكيا والمدرّب تركيّا وأمريكيا والمدعوم عربيّا وأمريكيا - .. من الجيش إلى القضاء .. من علماء الذرة والنووي إلى فقهاء التحرير والتنوير .. من الفنانين والأدباء إلى المسرحيين والرسامين ..
حجم الاستهداف بلغ من الإسفاف والتبجح حد الإقدام على حجب القنوات الفضائية السورية الخاصة منها والعامة .. قنوات كثيرا ما نعتت في إعلام الدولار والبترودولار على أنها قنوات المخابرات العامة وفضائيات البعث والشبيحة .. قنوات كثيرا ما وصفت في قنوات «القبيلة والعائلات الحاكمة منذ قرون» بأنها مهجورة من السوريين وأن الرأي العام الداخلي صار «مسيرا» من قنوات «الربيع العربي غير الخليجي».
لسنا في سياق تكذيب أو تفنيد كل ما قيل وما يقال عن الإعلام السوري – فالكثير منه سمعناه من السوريين أنفسهم الغيورين عن وطنهم والخائفين عن مستقبلهم ولكن أن تعدم الكلمة وتقطع الصورة بقرار «عربي» زمن الانفتاح الإعلامي يضع أكثر من نقطة استفهام ماكرة عن الأسباب الكامنة وراء هذا القرار الذي يعكس عقلية الرقابة والاستبداد لدى عدد من المسؤولين العرب ويكشف عن استبطان واستحضار لسياسات خنق الرأي الآخر لدى المسؤولين الجدد .. سليلي ثورات عربية سماؤها مقاتلات «الناتو» وأرضها المرتزقة التكفيريون.
عجيب أن تخنق الكلمة السورية – هوية وهوى – في زمن الأكاذيب والأراجيف والادعاءات والأباطيل الفضائية من قنوات «البترودولار».. عجيب أن تحظر الصورة الدمشقية زمن اختلاق الصور وتزييف الوقائع وتكذيب الواقع وتثبيت «المفترض» الوهمي الموجود فقط في عقول مبتدعي الفتن وباثي الحروب الأهلية .
غريب أن يقطع الصوت الشامي الوسطي فيما تقتات قنوات خليجية على تكفير الآخر وتشويه صورة المختلف وتعمل على بث الفرقة بين أبناء الأمة العربية والإسلامية الواحدة.
والأعجب من كل ذاك أن تحجب القنوات الفضائية السورية المستقلة والعامة بعد أيام قليلة من دعوة وزير الإعلام السوري عمران الزعبي كافة المعارضين الوطنيين إلى الظهور على القنوات العامة وبعد أشهر قليلة من تمرس الصحفيين السوريين على الميدان – بشهادة الصحفي البريطاني روبرت فيسك - وتحول عدد كبير منهم إلى مراسلي حربيين متميزين وبعد أسابيع من إعلان وزارة الإعلام السورية تحول الإعلام السوري المقروء والمسموع والمرئي إلى إعلام مجتمع لا إعلام سلطة أو حزب أو شخص.
بعد حصار المال وحصار السلاح وحصار الخبز .. جاء حصار الإعلام .. هكذا هو حال كل مقاوم – مهما تكن أخطاؤه وخطيئاته – وهكذا هو حال الجامعة العربية في ترديها وعمالتها وخنوعها وخضوعها عندما ينعدم منها «النبل» وتنتفي منها«العروبة».