في كلية الحقوق لجامعة الصربون وبدعوة من لجنة الحقوق في المجمع الدولي للقانون المقارن وخلال شهر جويلية من سنة 1951، انعقد في باريس (أسبوع الفقه الاسلامي) لتبين ودراسة أصالة التشريع الاسلامي ومدى مسايرته للمنطق الحكيم وللفطرة السليمة ولأصول الأخلاق واستمالة لثروة حقوقية ثمينة، ونظريات قانونية خالدة تنفع البلاد والعباد !!! ومما جاء في قرار المؤتمر: «ان مبادئ الفقه الاسلامي لها قيمة أخلاقية حقوقية تشريعية لا يمارى فيها، وان اختلاف المذاهب الفقهية في هذه المجموعة الحقوقية العظمى، ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات والأصول الحقوقية، هي مثار الاعجاب» (وبها يستطيع الفقه الاسلامي أن يستجيب لمطالب الحياة الحديثة والتوفيق بين حاجاتها). ترجمة من فعاليات مؤتمر أسبوع الفقه الاسلامي، دار الفكر بيروت 1951وقبل ذلك قال شيرل عميد كلية الحقوق بجامعة فيانا في مؤتمر الحقوقيين لسنة 1927 : « ان الشريعة تفخر بانتساب رجل كمحمد اليها فقد استطاع رغم أميته أن يأتي قبل أربعة عشر قرنا، بتشريع سنكون نحن الأوروبيين أسعد ما نكون لو وصلنا الى قمته بعد ألفي عام.»! (ترجمة من نفس المرجع)
وبما أن المقام لا يسمح بعرض كل ما جاء في أقوال علماء القانون والحقوقيين الغربيين في هذا المؤتمر من ابراز لجوانب الكمال العلمي وخاصة الحقوقي في التشريع الاسلامي فإننا سنقتصر في هذا المقال على تناول الجانب الأخلاقي بكل مواصفاته وخصوصياته. ويتمثل هذا الجانب في ثلاث نقاط أساسية، وهي الحكمة والانصاف والتأثير.
1 الحكمة: وهي هنا ما يترتب عن ربط الحكم بعلته أوسببه، من جلب مصلحة أودفع مضرة ذلك أن الأحكام تناط بعللها وأسبابها، وتدور معها وجودا وعدما.فالعلة الشرعية للقصاص من القاتل مثلا، كون القتل عمدا وعدوانا!
وربط الحكم بهذه العلة يترتب عنه بحكم العقل تحقق المصلحة المقصودة من الحكم، وهي المحافظة على حياة الناس. فهي وصف مناسب لهذا الحكم.وعلة حرمان القاتل من ارث المقتول ارتكاب جريمة قتل محرمة. لاستعجال منفعة قبل أوانها. وربط الحرمان بهذا المعنى يترتب عنه في نظر العقل تحقق المصلحة المقصودة من الحكم، وهي المحافظة على النفوس بمنع الورثة من قتل مورثيهم، لأنهم انما يقتلونهم استعجالا لإرثهم!
ثم ان الاسلام في تشريعه لا ينظر الى المصلحة الفردية مجردة، بل يقيدها بما ينفي الضرر عن الآخرين، وبما ينفي الضرر الخفي عن الفرد ذاته أوعن غيره. لذلك ألغى مصلحة الجبان في عدم خوض المعركة حفاظا على النفس، ومصلحة المريض الميؤوس من شفائه، أومن ضاقت به سبل العيش في الموت والانتحار.وما لا يدخل في المصالح الشرعية ويظنه بعض الناس مصلحة، لا يكون الا من باب متابعة الهوى، ومجاراة الشهوات. لأن الله تعالى أمر بكل خير ومعروف، ونهى عن كل شر ومنكر.