لم تجد العائلات التي طردت من منازل حي النور برواد جعفر بولاية أريانة والتابعة لشركة «سنيت» حلا لها غير استعمال المبيت الجامعي الرياض بالحي الأولمبي المخصص للطالبات لإيوائهم في هذه الفترة بعد ان وجدوا أنفسهم بلا مسكن. أمتعتهم ملقاة على أرصفة الطريق، أبناؤهم متواجدون في الشارع، أدباشهم مرمية في حديقة المبيت وأمام جدرانه، أما هم فقد انتشروا على قارعة الطريق وكل منهم جالس ينظر الى حال أبنائه وأمتعته غير مصدق أحيانا أنه وصل الى هذه الدرجة من العذاب.
في هذا الحي الراقي لم تجد هذه العائلات مكانا لها غير مبيت الطالبات لعله ينقذها ولو لمدة قصيرة من حالة التشرد حيث امتزجت أصواتهم بالبكاء والنواح تارة وبالصراخ والدعاء طورا.
«قتلونا، معنّاش وينْ نسْكنوا» هكذا بدأت فاطمة كلامها وانهارت بالبكاء وبدأت بالعويل صارخة «ثلاثة أيام ونحن بلا مأوى ولا أكل ولا شرب ولولا مساعدة سكان الحي الأولمبي لمتنا» وهنا تدخلت حبيبة قائلة «صوّرونا خلّي الناس تشوف الحكومة آش تعمل».
فاطمة وحبيبة وعلي وفاضل وغيرهم من العائلات هم مجموعة من المواطنين الذين اقتحموا منازل شركة «سنيت» برواد جعفر بأريانة وقد وضعوا أمتعتهم بالمبيت الجامعي «الرياض» وقتيا حتى يتمكنوا من البحث عن حلول لهم ولأبنائهم وخاصة أن عملية اخلاء المنازل بالقوة العامة عن طريق وزير الداخلية جاءت قبل العودة المدرسية بأيام قليلة.
إدارة المبيت الجامعي الرياض فتحت أبوابها لإيواء هذه العائلات لمدة أسبوعين ولكن ماذا سيفعلون اثر انتهاء هذه المدة؟ وخاصة أن هذا المبيت مخصص ل«الفتيات» والجامعة ستفتح أبوابها في الأسبوع القادم؟
أسئلة عديدة تطرح حول وضع هذه العائلات المتكونة من أرامل وأمهات وآباء ومعوقين وأطفال صغار لم يجدوا غير الشارع مأوى لهم...؟!!
خدعونا
«لقد وعدونا بمساعدتنا على الكراء لمدة معينة ولكن لا حياة لمن تنادي، باختصار خدعونا، هكذا استهلت «خيرة» كلاهما ماسكة حفيدها بيدها وهو مصاب ببعض الكدمات من أحداث عملية اخلاء المنازل.. مضيفة «بينما كنت أركض هربا من الغاز المسيل للدموع سقط من يدي».
وغير بعيد عنها جلست عائلة لطفي على قارعة الطريق واضعة أمامها قارورة ماء وبعض الأكل الذي تحصلت عليه من قبل بعض متساكني الحي الأولمبي، وعن هذا الوضع قال رب البيت «الأسبوع القادم العودة المدرسية وأبنائي تلاميذ بالمدارس، لا أملك مالا لهم لأعيلهم أنا لا أصلح أن أكون أبا».
كما أفادتنا بعض هذه العائلات أن «سميرة» وهي من ضمن المطرودين من حي النور برواد جعفر قد أسقطت جنينها أمس وهي في حالة خطرة ولا تملك مالا للمعالجة وكما تواجد أيضا ضمن هؤلاء المواطنين طفل معوق لم يدرك ما يدور حوله، يلعب بالتراب ماسكا قطعة خبز اسودّت من الأوساخ وبجانبه يجلس والده الذي قال «أنا أعول ستة أبناء وهذا أحدهم ولم يرحمنا أحد ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل».
ياسين بريء
وعن إيقاف ياسين البدري المتهم بإنزال العلم من كلية الآداب بمنوبة والذي كان متواجدا ضمن السكان الذين احتلوا مساكنرواد جعفر بأريانة قال جميع المتواجدين بصوت واحد «ياسين بريء لم يفعل شيئا سوى أنه قال لهم لا تضربوا النساء» لقد دافع عنا ولم يستعمل العنف ضد قوات الأمن لذلك نطالب بإطلاق سراحه برفقة أصدقائه وأضافوا لقد توفي والده أول أمس وهو قابع في السجن أين العدالة في هذه البلاد؟
أين كنتم؟
وإجابة منهم عن سؤالنا أين كنتم تقطنون قبل ان تستولوا على منازل شركة «سنيت» بحي النور برواد جعفر بولاية أريانة قالت فاطمة «لقد كنا متشردين بلا مأوى فأنا شخصيا أعرف بأن المنازل ليست لنا ولكن لم نجد اي حلّ لنعيش سوى بالاستيلاء على المنازل وقتيا ولكن الآن المهم ليس المحاسبة بل نريد حلولا تنقذنا من هذا الوضع المأساوي أنا أم لثلاثة بنات».
ومن جهتها قالت إحدى النساء المتواجدات أمام مبنى «المبيت» لقد كنا مجرد متشردين في نظر هذا المجتمع ومازلنا نعاني من نفس النظرة الدونية ولكن و«الله» لا حول ولا قوة لنا.
الحل!!
ساعد سكان الحي الاولمبي هذه العائلات على تحمل هذه الظروف القاسية حتى يجدوا حلا جذريا يخرجهم من أزمتهم الحالية خاصة ان عددا من أبنائهم موقوفون لدى وزارة الداخلية لاتهامهم بإثارة الشغب وعدم الانصياع للأوامر واستعمال الحجارة وقوارير «المولوتوف» وغيرها من التهم.
وكما قالت احدى متساكنات هذا الحي «هم أخطأوا حين افتكوا حقوق الآخرين واستولوا على منازلهم وقامت وزارة الداخلية بواجبها وإعادة الحق لأصحابه ولكن من الجانب الانساني يجب أن نتكاتف لمساعدتهم فعندما أرى أبناؤهم بلا مأوى يحزنني ذلك وهذا ما دعمته صديقتها التي أضافت «والله حرام».