بعد الثورة تواصلت في تونس مظاهر الفساد الإداري والمالي بعدد من أجهزة الدولة، وزادت حدتها في أجهزة أخرى، وهذا طبيعي ويحدث إثر كل الثورات مما يستوجب مزيد تطوير العمل الرقابي المالي والإداري العمومي. لم ينف أعضاء الجمعية التونسية للمراقبين العموميين، المنتمين لهيئات الرقابة العامة، تواصل مظاهر الفسادين الإداري والمالي ببعض اجهزة الدولة، وتزايد حدتها في أجهزة اخرى، خلال سنتي 2011 و 2012 . وقالوا في لقاء إعلامي أمس بالعاصمة إن الفاسدين استغلوا ضعف وهشاشة الهياكل الرقابية في الدولة بعد الثورة، تماما كما يحصل إثر أغلب الثورات، ليتمادوا في نشاطهم. وأضافوا أن ممارسي الفساد ما بعد الثورات نوعان، فمنهم الفاسدون القدامى الذين يريدون إعادة التموقع ومنهم الفاسدون الجدد الذين يريدون أخذ مكان فاسدين قدامى هربوا أو سُجنوا أو أبعدوا. ويتوزع هؤلاء الفاسدين على مختلف مستويات الهرم الإداري بدءا بالمسؤول الأول للمؤسسة وصولا إلى العون البسيط.
وسيتطلب القضاء على الفساد أو على الأقل التخفيف من حدته بضع سنوات من العمل ولكنه يتطلب بالخصوص مزيد تطوير وتقوية العمل الرقابي .
تطوير العمل الرقابي
يتوزع العمل الرقابي الإداري والمالي في مؤسسات وهياكل الدولة على 4 أجهزة رقابية، 3 منها ذات صبغة إدارية وهي هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية وهيئة الرقابة العامة للمالية وهيئة الرقابة العامة لأملاك الدولة والشؤون العقارية وواحدة ذات صبغة قضائية وهي دائرة المحاسبات. وتخضع جميع هذه الهياكل إلى الإشراف والتنسيق العام للهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية.
ويتضح من خلال هذا التوزيع أن العمل الرقابي المالي والإداري على أجهزة الدولة مشتت بين أكثر من هيكل، ما يستوجب توحيده تحت لواء هيكل وحيد. وهذا من أبرز المقترحات الواردة في مشروع قانون جديد أعدته الجمعية التونسية للمراقبين العموميين وتم عرضه على الحكومة لتنظر فيه.
ويرى اعضاء الجمعية أن توحيد العمل الرقابي تحت جهاز واحد يؤدي إلى توحيد وتقوية الجهود والميزانيات المخصصة ويطور بلا شك آليات الرقابة ويوسع مجال نشاطها لتشمل اكثر ما يمكن من اجهزة الدولة. كما أنه يوحّد مصدر المعلومة وهذا ما يُيسّر مهمة الإعلام والمواطن عند الاطلاع على نتائج المراقبة ، ذلك أن المعلومة حاليا مشتتة بين اكثر من هيكل ولا يمكن بالتالي الحصول عليها بكل سهولة وبكل دقة.
نشر التقارير
من بين الأهداف التي يرمي إليها مشروع القانون الجديد هي السماح بنشر تقارير هياكل الرقابة حيث يمنع القانون الآن نشر هذه التقارير للعموم ولوسائل الاعلام. ويقول أعضاء الجمعية إن الغاية من النشر ليست التشهير بمرتكب الفساد والتشهير به بل للتثقيف وللتوعية، فأحيانا يقع ارتكاب الفساد عن حسن نية أو عن سوء تصرف أو انحراف لاإرادي بالسلطة من المسؤول أو الموظف أو العون العمومي، ولا توجد أية فائدة من التشهير به. فإذا تم السماح بنشر التقارير تحصل آليا الرقابة على العمل الرقابي من قبل الشعب و الاعلام .
اصلاحات من أهم الاصلاحات التي ترمي إليها جمعية المراقبين العموميين عبر مشروع القانون المذكور هي دعم قدرات المراقب وذلك من خلال تمكينه من دورات تكوينية ومن الاحتكاك بالتجارب الدولية المتطورة في هذا المجال ، وهو ما يفتقر إليه اليوم كل العاملين في الأجهزة الرقابية . فباستثناء التكوين الأكاديمي الذي يتلقوه بالمدرسة الوطنية للإدارة فإنهم لا يخضعون لأية رسكلة أو تكوين طيلة سنوات ممارسة مهامهم وهذا من شانه الحد من نجاعتهم .
ومن أهم الاصلاحات المرجوة أيضا عبر هذا المشروع هي وضع النقاط على الحروف بالنسبة لعدة نقاط على غرار ماذا نراقب؟ ومتى نراقب؟ ومن يعطي الإذن بالمراقبة؟ ومن هي الجهة التي تتلقى التقارير؟ ومن يسهر على تفعيل ما جاء في التقارير؟ (إحالة الفاسدين على القضاء – تحسين وتطوير العمل الإداري) ومن يراقب المراقبين ؟
التعهد بمراقبة الفساد
في السابق كان هناك منشور يسمح للمراقب العمومي بأن يتابع من تلقاء نفسه كل ما يتناهى إلى مسامعه من فساد مالي او إداري ببعض المؤسسات. لكن وقع إلغاء العمل بهذا المنشور وأصبح عمل المراقبين لا يتم إلا عبر إذن بمأمورية. وتعمل الجمعية اليوم على استرجاع المراقبين للعمل بهذا المنشور بما يسمح لهم بالتعهد الذاتي كلما «اشتموا» رائحة فساد في أحد أجهزة الدولة.
وأكثر من ذلك تطمح الجمعية إلى احداث بوابة إلكترونية (مرصد) مفتوحة لعموم المواطنين، وبإمكان كل مواطن أن يُدلي بشهادة او بمعلومة حول وجود شبهات فساد في أحد أجهزة الدولة ليقوم جهاز الرقابة على ضوء ذلك بالتثبت من تلك الشبهة وبمتابعتها.