الدولة التونسية ليست وليدة الاستعمار الفرنسي في 1881 ولا هي شيّدت إبّان الاستعمار الاسباني، الذي سبق الاستعمار المشار اليه بقرنين ونيف، بل هي دولة أفرزتها تونس... وأفرزها المجتمع في هذه البلاد... والنظام بمفهوم النظام العام، لم يقدّه بورقيبة الرئيس ولم يؤثّث مكوّناته المقيم العام الفرنسي سيئ الذكر، بل إنه نظام، تأسّس عبر المراكمة وعبر مراحل الذكاء الجماعي في هذه البلاد... نقول هذا، لأن تداعيات ما حصل أمام وداخل السفارة الامريكية في تونس، يكشف الوجه الآخر للغضب الجماعي والاحتقان الاجتماعي، عندما يتّخذ له مسارا غير مساره الحقيقي. كنّا سنفهم الغضب الجماهيري العربي والمسلم أمام السفارات الامريكية، لو بقي ضمن إطار النقد والتظلّم من السياسة الامريكية الامبريالية القاهرة للشعوب عن طريق صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، والرأسمالية المتوحّشة... وفضح ممارسات هذا القطب الرأسمالي الذي يتحكّم في رقاب الشعوب... وكنّا سنفهم الغضب الجماهيري، ضد الولاياتالمتحدةالامريكية بصفتها عنوان الصلف الاستعماري، لو كانت الاحتجاجات الجماهيرية تتضمّن مواجهة الفكرة بالفكرة... فمثلا كانت محاججة واشنطن أمام سفاراتها، ستضربها في مقتل لو أن اللافتات تضمّنت محاججة حول حريّة التعبير وحق البحث وإعادة البحث في أسطورة المحرقة عقب الحرب العالمية الثانية... ما وقع في تونس بالذات يكشف ان الحكومة الحالية فاقدة لمشروع مجتمعي واضح... بل إن الاحداث التي اتّخذت منحى لافتا، جعلت الناس لا يفرّقون بين تونس وبلدان عربية واسلامية عرفت تجربة الحكم الديني، ذلك أن منحى التحضّر في شكل الاحتجاجات الشعبية كان في تونس متميّزا، وقد ظنّنا أن الأحزاب الاسلامية وتحديدا حزب حركة النهضة يسير على خطى حزب العدالة والتنمية في تركيا بعد أن تخلّى ذاك الحزب عن عباءة حزب الفضيلة بقيادة أربكان آخر الثمانينات الفارطة... لقد بيّنت الأحداث التي عرفتها السفارة الامريكية في تونس، ان السلطة الحاكمة في تونس، تريد «الزبدة» وثمن «الزبدة» وهذا ما لا يمكن ان يحصل نظرا الى اهمال أصحاب هذا الرأي الى أهم عنصر ويتمثل في أن حزب النهضة ليس وحيدا على الساحة السياسية... مسؤولية السلطة كاملة، ولا نقصد هنا حركة النهضة وحدها، بل الترويكا كاملة، كما أننا لا نقصد استهداف وزارة الداخلية وحدها بالنقد، فعهد «أكباش الفداء» قد ولّى... واليوم، يُحاسب من يقودون البلاد على أساس إما عندك برنامج مجتمعي أم لا... وقد تبيّن عبر المحطّات العديدة، أن الترويكا تفتقد الى برنامج سياسي مجتمعي واقتصادي، مثلها مثل عدد كبير من الأحزاب التي حصلت على تأشيرة للعمل الحزبي، دون أن تكون مهيأة للحكم وللسلطة... فالسلطة ليست نزهة... بل هي أمانة... وهي ليست مرضاة لهذا أو ذاك بل التزام تجاه الناخبين.