ربما لن يكون من السهل تجاوز تداعيات الهجوم الهمجي الذي تعرضت له السفارة الأمريكية يوم الجمعة الماضي من قبل مجموعة من المتطرفين لم يجدوا أدنى حرج في تلطيخ صورة بلادهم وشعبهم المعروف تاريخيا بانحيازه لقيم التسامح والاعتدال، سريعا رغم تعجيل الرئيس المنصف المرزوقي وحكومة "الترويكا" وحتى زعيم حزب حركة النهضة راشد الغنوشي شخصيا إلى إدانته وإدانة الأطراف المتورطة فيه بأقسى العبارات. فعلى الرغم من أن هذا الموقف هو المطلوب من أعلى هرم السلطة السياسية في بلادنا، إلا أنه لن يكون كافيا للإقناع، سواء في الداخل أو في الخارج، بوجود إرادة وجهد سياسيين فعليين للضرب على أيدي العابثين بمصالح البلاد العليا وكل الساعين إلى فرض نمط مجتمعي غريب علينا باللجوء إلى الترهيب والعنف وحتى الارهاب، ما لم يتجاوز التعبير عن النوايا إلى الفعل الحقيقي.. الفعل الناجع الذي يعيد فرض هيبة الدولة واحترام القانون والامتثال له من قبل الجميع. والبداية ينبغي أن تكون في اعتقادنا بمراجعة جملة المبادئ التي اعتمدتها الحكومة إلى غاية اليوم والتي فسحت لمثل هؤلاء الذين اتخذوا من الدين الاسلامي مطية لفرض آرائهم وأفكارهم وسلوكياتهم الهدامة والمتطرفة وسط مجتمع يدين في غالبيته بالاسلام، لكن الاسلام الحق، المعتدل والمتسامح، وليس إسلام "القاعدة" أو حركة "طالبان". ويعني ذلك بالأساس وضع حد للتساهل والتصدي بمنتهى القوة والحزم اللذين يخولهما القانون لفرض الأمن والالتزام بالشرعية. ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن من بين أهم الأسباب التي أوصلتنا إلى الحالة التي بلغناها الآن غياب الحوار والتشاور المطلوبين -اللذين تفرضهما المرحلة الانتقالية التي تمر بلادنا- بين مختلف المكونات السياسية لدواعي حزبية ضيقة لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالمصلحة العليا للوطن والمواطن، وهو موقف لا يمكن أن ينحصر فيه اللوم على الحكومة الحالية، بل وأيضا على أحزاب المعارضة والتي يبدو أنها اختارت نهج الانتقاد وليس النقد البناء ومحاولة الاصلاح في سياق خدمة أجندة انتخابية بالأساس. إن المرحلة التي تمر بها تونس حاليا من أكثر المراحل خطورة وحساسية، ولا بد من تضافر جميع الجهود للخروج منها بأقل الخسائر الممكنة.. إلى بر الأمان.