نشأت الحركة السلفية في تونس في أواخر الثمانينات تحت اسم «الجبهة الإسلامية التونسية»، ولكنها وئدت بعد أسابيع فقط من تأسيسها، وجرى اعتقال جميع قياداتها والمنتمين إليها. ومن بين قادتها «محمد على حراث» المدير التنفيذي لقناة «إسلام تشانل» الإسلامية المعروفة في بريطانيا، وعبد الله الحاجي (51 عاما) المعتقل التونسي السابق في غوانتانامو، والذي حكمت عليه محكمة عسكرية تونسية غيابيا عام 1995 حين كان موجودا في باكستان بالسجن عشر سنوات بسبب الانتماء إلى «الجبهة الإسلامية التونسية»، التي قال الادعاء إنها على علاقة بحركة «النهضة».
ومن ثم فلا يوجد حتى الآن هيكل منظم للسلفيين، لكن هناك أفراد وشخصيات سلفية معروفة وإن لم تنتظم في هيكل يجمعها. ويتزعم الحركة السلفية في تونس، الخطيب الإدريسي (56 عاما) الذي سجنته السلطات التونسية لمدة عامين، وأطلقت سراحه أوائل جانفي 2009 بعد إنهائه عقوبة بتهمة «الإفتاء بالقيام بعمليات جهادية وعدم الإرشاد عن وقوع جريمة»، بالرغم من أن المحامين قالوا إنه «لم يرتكب من الجريمة سوى إبداء رأيه في بعض المسائل العقائدية والفقهية».
اشتهر الإدريسي بعد عودته من المملكة السعودية عام 1994، ولمع اسمه خاصة في أوساط الشباب الإسلامي، وصار يقبل عليه التونسيون للإفتاء في الأمور الدينية، وأصدر عددا من الكتب منها: «صفة الصلاة»، و«كتاب الأذكار»، و«ترتيل القرآن».
لكن يقول المتابعون لتطورات الحركة السلفية في تونس، إن الجيل الجديد من الشباب السلفي هناك لم يسمع من الشيخ الإدريسي، بل تعلّق بمشايخ ودعاة من مصر والخليج بعضهم توفيّ منذ سنوات وبعضهم لايزال حيا.
فقد كشف تقرير أصدرته «الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين» تضمَّن تحليلاً لملفات (1208) من المعتقلين السلفيين تحت طائلة قانون الإرهاب لعام 2003. أن الشريحة العمرية الرئيسة لهؤلاء تتراوح بين 25 و30 عامًا. وهي قد تنخفض أحيانًا لتصل حدود 19 عامًا. أما بالنسبة للتوزيع الجغرافي، فإن 46% منهم ينحدرون من مناطق شمال تونس، و31% من وسط البلاد، في حين أن 23% فقط هم من أبناء الجنوب.
وينسب للقنوات الفضائية دور كبير في هذا المد السلفي، بعدما كانت السلطة قديما هي التي تحتكر الإعلام وصناعة الرأي العام وتوجيهه. فالأجهزة الأمنية «يمكن أن تمنع اجتماعًا، وتصادر كتبًا، وتعتقل أشخاصًا، وتحكم قبضتها على المساجد، وتمنع الآلاف من السفر» لكنها عجزت عن الوقوف في طريق موجات البث التي استطاعت أن تصل إلى الشباب التونسي من بعيد.
وتتوزع السلفية التونسية بين رافدين أساسيين: السلفية العلمية، وهي سلمية ونشاطها دعوي بالأساس، ويركز دعاتها جهودهم على الجانب الفقهي والعقائدي وطلب العلم الشرعي، وهم يتقيّدون بالمراجع الشرعية وفتاوى كبار علماء السلف.
وتيار «السلفية الجهادية»، وهذا الأخير بدأ يحقق انتشارا متزايدا، وانخرط فيه تونسيون شاركوا في عمليات جهادية كان أكثرها خارج بلادهم، خاصة في أفغانستان والعراق والجزائر وموريتانيا وليبيا وسوريا وعدد من المناطق الساخنة عبر العالم.