في هذا الحديث يتطرّق محمّد البصيري بوعبدلي الأمين العام للحزب الجمهوري المغاربي عن تقييمه للوضع السياسي الراهن ويقدّم رأيه بخصوص أداء الحكومة والمعارضة ومن مختلف المواعيد السياسيّة والانتخابيّة القادمة. ما هي قراءتكم للوضع السياسي الراهن؟
اعتبر أنّ الوضع صعب ويتطلب وضع اليد في اليد بين كل التونسيين مهما كانت توجهاتهم أو انتماءاتهم السياسية او الحزبية، على الجميع ان يقتنع بأن تونس ليست ملكا لأحد بل هي ملك للجميع بعيدا عن كل الحسابات الفئوية الضيقة، الوضع يستدعي التخلي عن منطق الأنانية والنرجسية.تونس في اعتقادي ورغم الصعوبات ستكون وستظل محمية من كل المنزلقات الخطيرة والمدمرة لأنه في النهاية سيعود الجميع إلى منطق التعقل وتغليب المصلحة العامة والانتصار لمبادئ المواطنة ورفض كل أشكال العنف والتخريب، لا بد من الشعب أن يتحلى بالصبر لأنه لا شيء يمكن ان يحصل بعصا سحرية وفي وقت زمني قصير، التأسيس يتعرض لصعوبات هذا منطقي والبناء يتطلب التدرج وبعض الوقت لكي تتحقق المطالب التي نادت بها الثورة وتمسكت بها أجيال متعاقبة منذ الاستقلال إلى اليوم.
كيف تقبلتم خطاب رئيس الحكومة الأخير؟
الخطاب مهم من حيث التوقيت وتضمّن تعهّدات أعتقد أنّها لازمة لهذه المرحلة ، والمهم الآن هو انتظار التنفيذ وخاصة في ما يتعلّق بانجاح الحوار الوطني ضمن مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل الّذي يبقى أهم طرف يمكن أن يحدث من حوله وفي رحابه إجماع وطني واسع يُسهّل الأمور أمام قدرة الاتفاق على خارطة طريق واضحة.
لكن هناك موعد 23 اكتوبر وبه العديد من الرهانات والتجاذبات والبعض يتخوف من حصول حالة عدم استقرار جديدة في البلاد؟
لا اعتقد ذلك، ما يجري هو من باب المزايدة السياسية لبعض الأطراف المعارضة، فالمسألة محسومة قانونيا على اعتبار ان القانون المنظم للسلط العمومية يؤكد أن نهاية المجلس الوطني التأسيسي والسلط القائمة لن يكون الا بالانتهاء من كتابة الدستور، وما أرجوه أن تترفع الأطراف السياسية عن مثل هذه المهاترات وان يعمل الجميع من اجل حسن صياغة الدستور الجديد الذي يجب ان يكون ملائما لتطلعات الشعب وان يكون صالحا للأجيال القادمة .وأنا على ثقة بان الفاعلين السياسيين والأطراف الاجتماعية ستتجه نحو تحقيق توافق ينهي الجدل القائم ويساعد على توفير الأرضية الملائمة لإنجاز متطلبات المرحلة السياسية الدائمة وإنهاء المرحلة الانتقالية الثانية بسلام.
هناك استقطاب إعلامي بين حركة النهضة وحزب نداء تونس ...البعض يتخوف من حصول صدام بين هاتين الجهتين؟
ما يعنيني هو ان يتجه الطرفان وغيرهما من الأطراف والأحزاب والنخب إلى الاعتدال وتغليب المصلحة العليا والكف عن المزايدات، اما بخصوص حديثك عن الاستقطاب ففي رأيي انه غير موجود ولن يمثل أي تهديد ، وكم كنت أتمنى ان يترفع الأستاذ الباجي قائد السبسي عن الوقوع في مثل ما وقع فيه من ممارسة سياسية خاطئة ليس أدلّ عليها من تركيبة قيادة حزب نداء تونس التي هي غير منسجمة ولا يمكنها ان تقدم برنامجا وطنيا يخدم مسار الانتقال الديمقراطي ويطور واقع التنمية في الجهات الداخلية والقضايا الحقيقية للشعب.
سي الباجي قدم لتونس إنجازا تاريخيا بإشرافه على المرحلة الانتقالية الأولى بنجاح وما هو بصدد فعله اليوم يخفض من حسناته ويجعله في قبضة ثلة من الانتهازيين الذين جربتهم البلاد في السابق ولم يقدموا لها إلا الفساد والخراب والخوف من أن ينفذ هؤلاء مشروعهم الخفي في تقسيم الشعب التونسي وبث المزيد من القلاقل خاصة عندما يصرّح البعض منهم بأنّ لهم صراع وجود مع طرف سياسي في الحكم اليوم ، هذا الأمر خطير جداً ذلك أنّ حركة النهضة أو الإسلاميين عموما ليسوا «غولا» وهم تونسيون قبل كل شيء وعانوا كثيرا من الإقصاء والتهميش ولا ضير في أن تمنحهم المجموعة الوطنية حق التجربة في السلطة والحكم مع مراقبتهم ونقدهم النقد البناء ومواجهتهم عبر صناديق الاقتراع ولا شيء آخر غير ذلك.وانا متأسف اليوم لان بعض القوى تغلب عداءها الأيديولوجي على المصلحة الوطنية وأنا على ثقة بأن قوى الخير والمحبة والقيم والمبادئ النبيلة ونظافة اليد هي التي ستنتصر في النهاية. ورسالتي إلى الباجي قائد السبسي وإلى غيره من السياسيين أن يعملوا على تلطيف الأجواء لا دس السم في الدسم ومزيد توتير الأوضاع ودفعها إلى المزيد من الاحتقان ونزع روح الحقد والكراهية والحرص على تامين وحدة الشعب التونسي.
البعض ينتقد أداء السلطة ويتهمها بتغليب المصالح الحزبية وسعيها إلى الهيمنة على حاضر الحياة السياسية في تونس ومستقبلها؟
نعم هذا في الظاهر صحيح، لكن من خلال معرفتي للعديد من قيادات النهضة والمؤتمر والتكتل وحديثي معهم فان ما يحركهم اليوم هو إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي وتحقيق أهداف الثورة.وفي اعتقادي فان حداثة هؤلاء بالحكم والسلطة فتحت الباب للوقوع في بعض الأخطاء أو سوء التقدير للأوضاع مع وجود حالة من التردد والارتباك ، والمطلوب منهم هو امتلاك إرادة سياسية قوية وجرأة في الاعتراف بالأخطاء والعمل على سرعة إصلاحها عبر توسيع دائرة تشريك كل التونسيين من الكفاءات والخبراء والمختصين وخاصة من أولئك المستقلين ولهم دراية بشؤون الدولة وإدارة دواليبها المعقدة والدقيقة.الترويكا لا يمكنها ان تحكم البلاد بمفردها وكلما اتسعت دائرة التشريك كلما ضمنا آفاقا أرحب للنجاح وتحقيق المكتسبات. تخشى بعض الأطراف من توجه لدى الترويكا إلى إقصاء التجمعيين مرة أخرى ؟
أنا دائماً كنت ضد الإقصاء الجماعي، فهذا خطأ لا يجب أن نقع فيه لأنه يهدد مستقبلنا ووحدة شعبنا ويضاعف من الأحقاد والكراهية بين المواطنين والأكثر من ذلك انه يحرم البلاد من كفاءات قادرة على إفادتنا في مختلف القطاعات والميادين . نعم لمعاقبة المتورطين في الفساد وفي التلاعب بمصالح التونسيين والتونسيات والمواطنين أيضاً في التعذيب والقتل وهتك حقوق الإنسان ولكن لا للمعاقبة على أساس حزبي أو بسبب أفكار مهما كانت نوعية هذه الأفكار خاصة ونحن نعلم كيف أنّ الدكتاتورية السابقة قد أجبرت الآلاف من الكفاءات والإداريين والنخب على الانخراط في الحزب الحاكم حينها.
أشخاص مثل محمد النوري الجويني وكمال مرجان وكمال العيادي ومحمد جغام وحاتم بن سالم ومحمد رشيد كشيش ومنصور معلى وغيرهم وكل من لم يثبت فساده لا يمكن إقصاؤهم بتعلة التواجد ضمن وزراء بن علي او حزب التجمع المنحل بل على العكس يجب الأخذ باستشاراتهم ومقارباتهم.ماذا عن حزبكم والدور الذي يلعبه محمد البصيري بوعبدلي في هذا الخضم؟ الحزب الجمهوري المغاربي بخير وهو يتطور على مستوى الهياكل والامتداد الشعبي ، وهو حزب وسطي معتدل تحرري يؤمن بالوحدة المغاربية بل يراها حتمية في عالم اليوم الذي يرتكز على التكتلات الاقتصادية والسياسية الكبرى.نحن نعمل في حزبنا داخل المجلس الوطني التأسيسي وخارجه من أجل تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف السياسية فنحن من أنصار التوافق والتواصل لا القطيعة والتناحر السياسي، ونأمل في أن تتشبع الأطراف السياسية بمبادئ الحوار وتغليب الرغبة في التواصل والسعي إلى تثمين المشتركات والعمل بصدق وبأخلاق وبروح مسؤولية وطنية عالية لتجاوز نقاط الاختلاف.ولقد وجدنا تجاوبا من طيف واسع من الأحزاب في السلطة والمعارضة ولنا الثقة في أنّ المستقبل سيكون أفضل وأحسن من الماضي وان قوى الخير ستنتصر وسيتم تجاوز كل الصعوبات الموجودة اليوم والتي هي طبيعية في مثل حالتنا التونسية المتجهة نحو التأسيس للديمقراطية والتداول السلمي على السلطة والتخلص من براثن الكراهية والفساد.
من هو محمّد البصيري بوعبدلي؟
هو مهندس في الإعلامية بدأ حياته المهنية بالعمل في شركات متعددة الجنسيات بفرنسا، ثم عاد إلى تونس عام 1972، كان محمد البوصيري بوعبدلي مناضلا منذ البداية فانخرط بالحزب الاشتراكي الدستوري ثم انخرط في أول حزب معارض وهو حركة الديمقراطيين الاشتراكيين الذي انفصل عنه سنة 1990.
ثم وجه كل طاقته إلى العمل التربوي فأنشأ هو وزوجته أول مؤسسة للتعليم العالي الخاص، الجامعة الخاصة بتونس وكذلك معهد لويس باستور ومؤسسة تضم مدرسة إعدادية ومدرسة أساسية.
رفض قبول الظلم وتجاوز القانون، وقام بتحريض الرأي العام الوطني والدولي ضد النظام السابق عندما أصدر سنة 2009 كتابه «يوم أدركت أن تونس لم تعد بلد حرية» الذي انتقد فيه نظام بن علي وهو الأمر الذي جعله عرضة لملاحقات ومتابعات. يصفه المقربون منه بأنه صاحب رؤية استشرافية ومتبصرة وناجعة.