تابعت أخيرا المسلسل العربي «سقوط الخلافة» وهو مسلسل تاريخي قرأ مرحلة حكم السلطان عبد الحميد منذ توليه الخلافة وحتى سقوطه. هذا المسلسل انتاج عربي وقد ضم عددا من الممثلين الكبار من مصر أمثال عبد الرحمان أبو زهرة وسميحة أيوب وأحمد راتب وغيرهم اضافة إلى ممثلين كبار من سوريا أمثال عباس النوري ومن الأردن عبير عيسى ومن العراق سامي قفطان وباسم قهار الذي مثل دور السلطان مراد. هذا عدا عدد كبير من الممثلين المنتمين إلى بعض البلدان العربية والنسبة الكبيرة من مصر.
كتب السيناريو أحد أبرز المؤلفين العرب وهو يسري الجندي (مصر) صاحب التجارب العديدة وأخرج المسلسل الفنان محمد عزيزية (سوريا) وهو مخرج قدير. ولما كانت الدولة العثمانية ممتدة على مساحة كبيرة من العالم فإن اعدادها يتكاثرون من روسيا القيصرية إلى بريطانيا وفرنسا ثم أمريكا حديثة العهد بأخذ نصيبها من المستعمرات وأشلاء الدولة العثمانية.
كان الحكم صراعا يورث الصداع ومؤامرات لا تنتهي، حتى الأسرة الحاكمة تتآمر على بعضها من أجل كرسي الخلافة فالسلطان مراد تشارك أمه في قتل عمه السلطان عبد العزيز من أجل أن يحل مكانه، وكان هذا حلم أمه التي مثلت دورها الفنانة سميحة أيوب، ولكن مرادا هذا لا يقبل الحكم بعد أن آل إليه، ومن جاؤوا به وأحدهم زوج أخته غير الشقيقة وأخت السلطان عبد الحميد الشقيقة. وكل هذه التفاصيل ليست موضوعا لهذا المقال إلا أن موضوعه كان التسرب الصهيوني إلىأرض فلسطين ودور الجمعيات اليهودية والماسونية في شراء أرض زراعية واسعة من يافا، وقد باعها لهم الاقطاعيون العملاء. وكيف بدأت الهجرات الأولى من يهود روسيا، ثم الضغط الكبير الذي مورس على السلطان عبد الحميد من أجل أن يفتح أبواب فلسطين للمهاجرين اليهود لأنه كان يعرف نواياهم، وكانت تعليماته بأن كل يهودي يدخل لزيارة القدس فإنه لن يبقى فيها أكثر من المدة المحددة له.
ثم تمّ خلعه، والغريب ان من دخلوا عليه ليبلغوه بهذا هم قادة العصابة الصهيونية والماسونية نفسهم الذين كانوا يهددونه، وقد جاؤوه بموافقة شيخ الاسلام على خلعه بعد أن هددوا هذا الشيخ الأمر الذي جعله يردد: (ما كنت أعرف بأن خلعي سيبلغني به الماسون واليهود).
لا أدري إلى أي حد التزم كاتب المسلسل بالوقائع التاريخية ولكن ما قرأناه عن الدولة العثمانية وانهيارها هو عداء الغرب المسيحي لهذه الدولة مترامية الأطراف ولذا تآمروا عليها كلهم. أغرقوها بالديون. وبدؤوا بقضمها تدريجيا حتى وصلوا عاصمة الخلافة، وقبل هذا شقوا الجيش وجعلوا كبار قادته يتمردون على سلطة الخلافة وحتى من أسند إليهم منصب الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) كانت لهم خطوطهم الفاعلة مع أعداء السلطنة.
من المؤكد جدا ان الدولة العثمانية التي كان معظم الوطن العربي تحت نفوذها لم تكن وعند بعض سلاطينها وولاتهم دولة عدل، وأن الأولوف من خيرة الشبان العرب كانوا يجندون في حروبها البعيدة من روسيا والبلقان الى اليونان، ولكن المراجع والمشايخ المسلمين كانوا معها ما دامت تحكم باسم الاسلام... ومازال لدى الكثيرين حتى ممن ولدوا بعد سقوط الدولة العثمانية وقيام نظام أتاتورك العلماني حنين قوي في الدولة العثمانية فردوسهم المفقود تماما كما كانت الاندلس بالنسبة للعرب الذين أنشؤوا هناك دولتهم. وكما يحنون الى الفردوس المفقود زمن الدولة العباسية يوم كان هارون الرشيد يتأمل الغيوم المسافرة من شرفة قصره ببغداد وهي حبلى بالمطر فيخاطبها: (امطري حيث شئت فان خراجك سوف يأتي اليّ).
بدأت أرضنا العربية تتقزّم بعد اتفاق سايكس بيكو واقتطاع أرض فلسطين وتسليمها لليهود حد أن يتبجّح الصهيوني العنصري نتنياهو أخيرا أمام الأممالمتحدة بأن اليهود عادوا الى أرضهم، وسط سكوت الرؤساء ومن يمثلهم رغم انهم يعرفون انه كاذب وأنه مجرد لص هذا وصفه وسليل لصوص أخذوا ما ليس لهم في عالم خلا من العدل اذ حوّل أهل الأرض الى لاجئين.
ان من يراجع كل التفاصيل وما فعلته العصابات الصهيونية الوافدة الاولى على أرض يافا العربية يحس بالقهر ويحس بأن عالمنا قائم على اللصوصية وسرقة أرض الغير وتشريد شعوب وتدمير بلدان كانت آمنة من قبل.
لكن هؤلاء يصدق فيهم وصف محمود درويش (عابرون في كلام عابر) وأن الأرض لابد وأن تعود لمن تضم رفات أجداد أجداد أجدادهم لا للذين قلبوا الأرض عاليها سافلها ولم يجدوا ما يدل على أنهم كانوا هنا.