لئن كان البحث التاريخي بالمعنى العلمي للكلمة موكول الى أهل الاختصاص فان ذلك لا يمنع أيا كان أن يبحث ويكتب، وفي هذا الاطار صدر كتاب منذ مدة قريبة عنوانه «بني خداش وجيرانها عبر الحركات النضالية (من الحركة التمردية الى المقاومة اليوسفية)». وفي هذا الاطار أيضا يندرج مقالي هذا. فالملاحظ ان صاحب الكتاب وان بيّن فيه دور الحوايا متساكني بني خداش في المقاومة الوطنية ضد الاستعمار فقد أشار الى أن «الكتاب لا يخلو من نقائص (ص9)» ولعل هذا الاعتراف بالنقائص منذ البداية يندرج في اطار نسبية البحث، واني اذ أشير الى أهمية ما ورد في الكتاب من أحداث الاّ أني ارتأيت ان أبدي بعض الملاحظات، وأول ملاحظة يمكن الاشارة اليها هي ان صاحب الكتاب لم ينتهج نفس النهج في البحث عن الحقيقة في فترتي (19521954) و(19541956) فقد اعتمد في الفترة الأولى على بعض الكتابات (لمحمد المرزوقي وعروسية التركي...) وبعض الصحف الصادرة في تلك الفترة غير انه اعتمد في الحديث عن الفترة الثانية على الحوار مع أشخاص يعيشون معنا اليوم. وكان حريّا به ان يعتمد نفس المنهج خلال بحثه في الفترتين المذكورتين خاصة والحال أن المقاومين الذين صعدوا للجبال في فترة (19521954) لا زال البعض منهم على قيد الحياة (محمد لسود، ضو الحرابي) وقد واكبوا الثورة مواكبة كاملة وخاضوا عدة معارك ورد بعضها في الكتاب محور حديثنا. وملاحظة ثانية هي أن عديد الاطراف التي اعتمدها للادلاء بشهادات كانوا خارج الوطن خلال (19521954) أما الذين واكبوا المقاومة خلال هذه الفترة فلم يخرجوا خارج تونس لا في الفترة الأولى ولا في الفترة الثانية وبامكانهم اذا ان يكونوا شاهدين على الاحداث من 1952 الى 1956 بل وبعد ذلك. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أود ان أسوق بعض الملاحظات السريعة التي قد أتناولها بتعمق في مناسبات لاحقة. يقول صاحب الكتاب ص 82: «ان السلاح الذي اعتمده الثوار كان تبرعا من بعض المواطنين الذين غنموه اثر الحرب العالمية»، واني اذ لا أنفي هذا فللاشارة فقط هنالك من الثوار من اشترى سلاحه الذي صعد به للجبل بماله الخاص على حاجته للمال ولم يصله عن طريق التبرع ومن هؤلاء من هو على قيد الحياة الى الآن. يؤكد صاحب الكتاب على أهمية المقاومة خلال (19541956) ويضفي صفة التمرد على بداية المقاومة (19521954) وهذا في تقديري كلام غير منصف خاصة والحال ان مقاومة (19521954) ليس لها من سلاح كما يشير هو نفسه سوى ما خلّفته الحرب العالمية، أما مقاومة (19541956) فقد وجدت كما أشار صاحب الكتاب «الدعم الليبي والمصري» لكن توفر السلاح لفترة دون اخرى لا ينقص من قيمة المجاهدين الذين لم يملكوا سلاحا كافيا ومتطورا بل العكس هو الصحيح. يلحّ صاحب الكتاب على ثورية المرحوم صالح بن يوسف ويشير الى «خطاباته الداعية لمواصلة حمل السلاح (خطاب ببني خداش)» لكنه في الوقت نفسه يورد بالصفحة 175 الكلام التالي لصالح بن يوسف: «إنني لا أدعوكم الى الكفاح المسلح الذين تقولونه عنّي باطلا...». ينقص من قيمة المجاهد مصباح الجربوع شهيد الوطن وينعته بالتواطئ مع المستعمر وبالتنكر للحوايا سكان بني خداش وقد ورد ذلك بالصفحة 206 عندما تحدث عن معركة 11 مارس 1956 ببني خداش فقد أشار الى أن فرنسا يرشدها «البعض مثل مصباح الجربوع». لكنه يقول بنفس الصفحة «قدم مصباح الجربوع فمر بالطريق العابر حذو الثوار» دون ان يحدد ما فعله بالضبط او ما قاله او من كان معه خلال مروره بالمكان. وفي هذا الاطار أكد لي أحد أقرباء مصباح الجربوع ان عملية مرور مصباح من هذا المكان تندرج في إطار نصح الثوار بتفادي المواجهة غير المتكافئة. ويذكر كذلك صاحب الكتاب بالصفحة 193: «ان مصباح الجربوع لم يعترض حتى حين قدمه عبد الرحمان بوعواجة على أنه من أهل عكارة» وقد اتصلت بأقارب مصباح ونفوا ذلك نفيا كاملا مشيرين الى أنه وقتها كان مع مصباح ومرافقه من بني خداش خلق كثير شهود عيان على الاحداث ويمكن الرجوع اليهم. ونحن نتحدث عن ما ورد ضمنيا في الكتاب من تنقيص من قيمة الشهيد مصباح الجربوع فلسنا في حاجة الى كبير حجّة حتى نؤكد عكس ذلك، ويكفينا هنا ان نشير فقط الى ما قام به مصباح الجربوع بعد سنة 1954 فقد ذكر الكتاب نفسه بالصفحة 122: «مطالبة مصباح بتسليح الثوار من جديد وذلك سنة 1957» عند استفزاز الفرنسيين لسكان بني خداش يوم السوق الاسبوعية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ألا يعلم صاحب الكتاب وغيره ان المجاهد مصباح الجربوع كان شهيدا بمعركة رمادة سنة 1958. وعن تسليم السلاح سنة 1954 فللاشارة ان القائد مصباح الجربوع لم يسلّم السلاح الاّ بعد مراسلة من طرف الديوان السياسي أورد الكاتب نسخة منها (ص 157) ممضاة من طرف المرحوم الطيب المهيري ورد فيها «وأنت (مصباح) لابدّ وأنك فاهم ان الزعيم المنجي سليم لم يوافق على النداء (تسليم السلاح) الا بعد موافقة صاحبيه المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة والزعيم الكبير صالح بن يوسف». هذه اذا بعض الملاحظات العابرة والسريعة حول بعض ما ورد بالكتاب محور حديثنا، وقد ساهمت بها سعيا لابراز تاريخ المقاومة بوطننا والمقاومة بصفة أخص ببني خداش، ولعلّنا نعود للحديث عن هذا الموضوع في مناسبة أخرى لابراز التاريخ النضالي والمقاومة الباسلة لابناء بني خداش بلدة العزّة والرفعة. سلاّم الحرابي