مع تكرر الاشتباكات وتبادل اطلاق النار على الحدود السورية التركية يمكن الجزم بأن الأزمة السورية وعلاوة على نار الفتنة التي زرعتها في الداخل باتت تهدّد بامتداد الحريق الى الجوار السوري وفي مقدمته الجوار التركي. وقد كان واضحا منذ البداية أن من خطط للحريق الداخلي السوري ومن أشعل النار ومن يمدّها بأسباب الاستعار والانتشار كان يتحرك وفق اجندة محددة باتت مكشوفة للجميع... ولئن ركبت هذه الاجندة في مرحلة أولى المطالب المشروعة في الحريات والاصلاحات السياسية فإنها سرعان ما كشفت عن وجهها القبيح من خلال رفع السقف الى اسقاط النظام وليس احلال الاصلاحات... ومن خلال اشعال حريق طائفي وفتنة مذهبية تضرب كل نسيج دول الشرق الاوسط القائم على التنوع الديني والمذهبي والطائفي والثقافي...
ولم يعد خافيا أن الاستراتيجية الأمريكية الرامية الى طمس موروث اتفاقيات «سايكس بيكو» واحلال ما سمي «الشرق الاوسط الجديد» محلّه تقوم على تفتيت الكيانات القائمة على أسس عرقية ومذهبية وطائفية وإعادة تركيبها بما يتفق ونهم الدابة الامريكية لنفط وخيرات المنطقة... وبما يفضي الى تجسيد الخارطة الجديدة على الأرض والى قيام كيانات طائفية ودويلات قزمية تقبل بأن تدور في فلك السيد الامريكي ووكيليه اقليميا وهما الكيان الصهيوني بما يختزنه من «توق» الى ما يسمى «اسرائيل الكبرى» وتركيا بما يختزنه العثمانيون الجدد من احلام امبراطورية باتت تدفعهم دفعا الى الانصهار في الاستراتيجية الامريكية مطية لتحقيقها.
لكن الفسحة التي تصوّرها البعض ومنّوا الانفس برؤية النظام السوري ينهار بسرعة ليتخلصوا من آخر عقبة أمام مخططهم بالنظر الى ما تمثله سوريا من قلعة للعروبة ومن رافد وداعم للمقاومة والممانعة هذه الفسحة تحوّلت بفعل الصمود السوري الى كابوس يؤرق الجميع... فلم يجدوا غير مزيد التورط في المؤامرة ومزيد الغرق في «الرمال المتحركة السورية» ليتحوّل الحراك الداخلي حول مطالب ديمقراطية الى حرب مفتوحة تخوضها عصابات تموّل وتسلّح وتستورد من الخارج...
وبالنتيجة فإن حربا شاملة من هذا القبيل يمكن ن تفتح على بدايات لسيناريوهات توسع الحريق التي نشهدها، وإذا كان مشعلو الحريق قد اختاروا مكان وزمان اشعاله فإنهم عاجزون عن محاصرة كرة النار ومنع تدحرجها في عدة اتجاهات يبدو أن أولها الوجهة التركية...
فهل تريد تركيا فعلا التورط في حرب تدرك جيدا أن كلا الطرفين فيها خاسران مسبقا؟ وهل يريد داعمو الحريق في سوريا حقا ان يروا كرة النار تتدحرج في كل الاتجاهات؟ انها سيناريوهات مرعبة تستدعي الجميع الى وقفة عقل وحكمة لنزع فتيل حريق كبير يعلم ا& وحده مداه ونهاياته...