يكتبها اليوم من بيروت الأستاذ ناصر قنديل ليس خافيا حجم التوتر الذي شهدته البحرين خلال الأشهر الماضية، كما ليس خافيا أن الطابع المذهبي لهذا التوتر كان على خلفية التجاذب الذي أرخى بظلاله على العلاقات الإقليمية بصورة قوية، وخصوصا على العلاقات السعودية الإيرانية واستطرادا على العلاقات السورية السعودية، كما ليس خافيا أن هذا التوتر تواصل مع خلفية ما شهده اليمن تحت عنوان أزمة الحوثيين والسلطات الحكومية من جهة، وما شهده العراق ولبنان من تجاذبات لم تغب الخلفيتان المذهبية والإقليمية عنها، بصورة بدا معها بوضوح أن المنطقة ذاهبة إلى فتنة لا تبقي ولا تذر، تتورط في نيرانها الدول الفاعلة على المشهد الإقليمي، بفعل أوهام وهواجس مصدرها الخارج. كان واضحا أن بارومتر العلاقات الإقليمية والتوازنات المذهبية يجب أن يظهر في واحدة من ساحات التجاذب، لكن فيما العين كانت شاخصة نحو لبنان والعراق المرشحين لترجمة اتجاه الريح نحو التصعيد أو نحو التهدئة، جاءت الانتخابات الهادئة التي عرفتها البحرين. كان السؤال الذي ينتظر جوابا من القوى الفاعلة يدور على ثلاثة محاور : الأول : هل يصدق العرب وخصوصا المملكة العربية السعودية أن السعي الأمريكي جدي نحو حل القضية الفلسطينية؟ وبالتالي الضغط على حكومة تل أبيب لتلبية شروط تسوية مشرفة يتحملها العرب؟ الثاني : هل أن الصيغ المعروضة على العرب تستدعي التورط في النزاع الدائر بين الغرب وإيران على خلفية ملفها النووي ؟ فيما الغرب يسارع من وراء ظهر العرب، رغم كل التصعيد والعقوبات نحو فتح المفاوضات مجددا مع إيران، ولا يريد الموقف العربي إلا ورقة ضاغطة في المفاوضات؟ الثالث : في المقابل هل تصدق إيران العروض الغربية لتسلم أحادي لملف العراق وأمن الخليج ومن دون شريك عربي والدخول في تفاوض بارد معها لملفها النووي ؟ وبالتالي هل تقع إيران في فخ المساهمة بتوفير شروط الفتنة المذهبية والتوتر الإقليمي، لنقل الصراع في المنطقة من صراع عربي إسرائيلي تقف فيه إيران على الضفة الداعمة للعرب، إلى صراع عربي إيراني تقف فيه إسرائيل في الضفة الداعمة للعرب؟ وهو صراع يتأسس على هاجس قلق بعض العرب من اختلال التوازنات المذهبية والإقليمية؟ ما شهدته المنطقة من حراك خلال الأسابيع الماضية كان واضحا رغم محاولات التشويش، فقد نجح الثنائي السوري التركي بالحصول على مبادرة إيرانية قوامها تقديم رسالة طمأنة للمملكة العربية السعودية وعبرها لسائر دول الخليج، مضمونها تمسك إيراني بأفضل علاقات الجوار وحرص على الحفاظ على التوازنات بين الكيانات الإقليمية من جهة، والتوازنات بين مكونات هذه الكيانات من الزاوية الطائفية والمذهبية من جهة أخرى، وكانت زيارة الرئيس أحمدي نجاد إلى لبنان وما سبقها وما تلاها من تواصل سعودي إيراني، يؤمل أن يترجم بزيارة للملك السعودي إلى إيران، هي المنصة التي انطلقت منها هذه الرسائل رغم كل محاولات الإثارة التي أحيطت بها هذه الزيارة. وجاءت القمة السورية السعودية لتحمل تطمينا مرادفا حول موقف تركيا الذي أكده رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان و شدد عليه الرئيس بشار الأسد، لجهة الرغبة بالتكامل وليس التنافس مع أدوار الدول العربية الفاعلة في مواجهات استحقاقات المنطقة. هرع معاون وزيرة الخارجية الأمريكية جيفري فلتمان إلى المنطقة، محذرا من التفاهم مع إيران، وسارع لاستنفار بيئة لبنانية لإجهاض بذور التفاهم حول شبكة أمان توافقية تحمي لبنان من فتنة، يخشى أن تكون المحكمة الدولية الخاصة بلبنان شرارتها الأولى عبر إتهام المقاومة و«حزب الله» من ورائها باغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري. المشهد البحريني كان مفاجئا للجميع، فجرت الانتخابات البرلمانية دون ضجيج ودون توترات رغم ما سبقها من أحداث، والمعارضة التي كان ينتظر أن ترد على ما وصفته بخطة لاستئصالها وإلغائها بمقاطعة الانتخابات، قررت المشاركة الفاعلة، وجاءت النتائج المفاجئة باكتساحها أغلبية المقاعد البرلمانية. تتجه اللعبة الديمقراطية في البحرين نحو توفير شبكة أمان قابلة للتكرار في أكثر من ساحة محورها رفع الحظر عن مشاركة جميع المكونات الوطنية في تقاسم السلطة على قاعدة حفظ وحدة الكيانات والإستقرار فيها والاحتكام إلى صناديق الإقتراع، وهذا ما بات واضحا أنه محور التفاهم السوري التركي الإيراني حول العراق، وما يفترض أن يحكم مستقبل التعاون في مواجهة التأزم في اليمن وسواه من ساحات التجاذب، بعدما بدا ان الوصفة اللبنانية ليست في اتجاه واحد، اي خطر الحرب الأهلية، بل هي قابلة للسير بالاتجاه المعاكس أي استبدال التوتر في الشارع بالتنافس عبر الصناديق نحو بناء معادلة الحوار والمشاركة في حكومة وحدة وطنية لا تستثني أحدا. بارومتر البحرين يقول إن الأمل بعدم وقوع العرب وإيران في فخ تصديق الأوهام والتورط في الفتنة لا يزال قائما، وإن الأمل في التخفف من مخاطر تسوية تجهض القضية الفلسطينية وتصفي ما تبقى من الحقوق لا يزال قائما ايضا، وأن الأمل في شبكة أمان تشترك فيها الدول الفاعلة في الساحة الإقليمية، هو الذي يمكن أن يملأ الفراغ الاستراتيجي الناجم عن فشل الحملة الإمبراطورية العسكرية التي بدأها المحافظون الجدد من البيت الأبيض قبل عشر سنوات، ويراد اليوم ملء هذا الفراغ بالفوضى والفتن.