أجد صعوبة بالغة في فهم الوطنية خارج إطار العروبة، ولا أدري كيف يستطيع المتشدقون بالشعارات الوطنية أن يُعادوا العروبة في الوقت ذاته؟ وما أقصده بالعروبة هُنا هو معناها السياسي أي الانتماء القومي العربي وما يتبعه من حق الأمّة في انجاز وحدتها وتحرير أرضها وبناء نهضتها. على أن بعض دعاة «الوطنية» القطرية لا يعادون فقط هذه العروبة بل يذهبون إلى حدّ التنكّر للعروبة كهويّة ثقافية ويتنصلون منها إمّا باختراع هويات أخرى مصطنعة أو بادعاء الانتساب إلى الهويّة العولمية التي تقوم أساساً على تفكيك الهويات القومية والثقافية وإفراغ الوجود الإنساني من خصوصياته وتنوّعه.
ومع أنّ العروبة هي رابطة حضارية تجمع أبناء الوطن العربي من محيطه إلى خليجه بمختلف انتماءاتهم الاثنية والدينية والطائفية والمذهبية، فإن أعداءها يستمرّون في ترديد أكذوبة أنّها تقوم على العرق وتسعى للسيطرة على الأعراق الأخرى وذلك بهدف افتعال الصراعات بينها وبين الأقليات التي يثبت التاريخ انها كانت دائماً مكوّنا أصيلا من مكونات المنطقة، ولم تعامل معاملة سيئة على امتداد الأحقاب العربية الإسلامية إلاّ في فترات كان فيها العرب أيضا يتعرضون للتمييز والقمع كما حدث في الفترة العثمانية.
وليس غريبا أن يأتي أخطر عداء تواجهه العروبة من النظام الرسمي العربي الواقع تحت السيطرة السعودية القطرية الموظفة في خدمة المشاريع الامبريالية الصهيونية في المنطقة...
والخطر هنا لا يستهدف كما يتبادر إلى الذهن العروبة السياسية فقط، ولا القوى التي تحمل راية هذه العروبة وفي مقدمتها سورية التي تتعرض اليوم لعدوان امبريالي صهيوني تركي رجعي عربي باتت أهدافه معروفة للجميع، بل يستهدف أيضا العروبة كهويّة ثقافية ورابطة حضارية عابرة للانتماءات الاثنية والدينية الضيّقة، وتعرّض النسيج الاجتماعي العربي في مختلف الأقطار العربية للصراع والانفجار والتفكك.
فكيف تستقيم الوطنية مع محاربة ما يشكل صمّام أمان الأوطان العربية الصغيرة ويدمّر تماسكها الداخلي؟ وكيف تستقيم مع الوقوف في صفّ أعداء الأمّة بل وفي خدمة أهدافهم الاستعمارية القديمة الجديدة...
وإذا كنّا نعلم يقينا ان كثيراً من الأنظمة العربية التي تدّعي الوطنية!! قد باعت نفسها إلى الولاياتالمتحدة و«إسرائيل» مقابل الاستمرار في كرسي السلطة، فإننا نستغرب موقف بعض النخب السياسية والثقافية الموظف في الهجوم الايديولوجي الكاسح على العروبة وتلميع المشاريع المعادية من خلال تغليفها بغلاف «الوطنية» الكاذبة! ذلك أن الوطنية الحقة هي وطنية عروبية أو لا تكون.