عمال بشركة منتصبة بصحراء تطاوين يحتجون ويطالبون بإلغاء المناولة    سليانة: إستئناف أشغال مركز الصحة الأساسية بمنطقة المقاربة بسليانة الجنوبية    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    مفزع: استشهاد أكثر من 100 صحفي خلال ستة أشهر في قطاع غزة..    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الثلاثاء 23 أفريل 2024    محمد الكوكي: هدفنا هو التأهل للمشاركة إفريقيا مع نهاية الموسم الحالي (فيديو)    غدًا طقس شتوي 100% مع أمطار غزيرة ب6 ولايات    فظيع/ جريمة قتل تلميذ على يد زميله: تفاصيل ومعطيات صادمة..    سوسة: تعرض شاب لصعقة كهربائية أثناء تسلقه عمود كهربائي ذو ضغط عالي..    عاجل/ تحذير من بيض رخيص قد يحمل فيروس أنفلونزا الطيور..    بطولة ايطاليا : بولونيا يفوز على روما 3-1    اقتطاعات بالجملة من جرايات المتقاعدين...ماذا يحدث؟..    مترشحة للرئاسة تطرح استفتاء للشعب حول تعدد الزوجات في تونس..#خبر_عاجل    لأول مرة: التكنولوجيا التونسية تفتتح جناحا بمعرض "هانوفر" الدولي بألمانيا    الإطاحة ب 9 مروجين إثر مداهمات في سوسة    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    رغم منعه من السفر : مبروك كرشيد يغادر تونس!    عاجل : وفيات في سقوط طائرتي هليكوبتر للبحرية الماليزية    طقس اليوم: أمطار في هذه المناطق وانخفاض في درجات الحرارة    مدنين: حجز 4700 حبة دواء مخدر وسط الكثبان الرملية    جمعية منتجي بيض الاستهلاك تحذّر من بيض مهرّب قد يحمل انفلونزا الطيور    مهرجان هوليوود للفيلم العربي: الفيلم التونسي 'إلى ابني' لظافر العابدين يتوج بجائزتين    نقل مغني فرنسي شهير إلى المستشفى بعد إصابته بطلق ناري    الأمم المتحدة: آسيا أكثر مناطق العالم تضرراً من كوارث المناخ ب2023    اتحاد الشغل بجبنيانة والعامرة يهدد بالإضراب العام    حادثة سقوط السور في القيروان: هذا ما قرره القضاء في حق المقاول والمهندس    أراوخو يكشف عن آخر تطورات أزمته مع غوندوغان    البطولة الأفريقية للأندية الحائزة على الكأس في كرة اليد.. الترجي يفوز على شبيبة الأبيار الجزائري    الجزائر.. القضاء على إره.ابي واسترجاع سلاح من نوع "كلاشنكوف"    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    البنك التونسي السعودي ... الترفيع في رأس المال ب100 مليون دينار    في اختتام المهرجان الدولي «إيتيكات» بسوسة.. شعراء وفنانون عرب بصوت واحد: «صامدون حتى النصر»    هذه أبرز مخرجات الاجتماع التشاوري الأول بين رؤساء تونس والجزائر وليبيا    مذكّرات سياسي في «الشروق» (1)...وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم .. الخارجية التونسية... لا شرقية ولا غربية    المنستير.. الاحتفاظ بمدير مدرسة إعدادية وفتح بحث ضده بشبهة التحرش الجنسي    الإعلان عن تأسيس المجمع المهني للصناعة السينمائية لمنظمة الأعراف "كونكت"    بوعرقوب: القبض على 4 أشخاص كانوا بصدد سرقة أسلاك نحاسية خاصة بشركة عمومية    بداية من يوم غد: أمطار غزيرة وانخفاض في درجات الحرارة    استلام مشروع تركيز شبكة السوائل الطبية لوحدة العناية المركزة بقسم الأمراض الصدرية بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر    تونس: وفاة 4 أطفال بسبب عدم توفّر الحليب الخاص بهم    الكاف: تقدم مشروع بناء سد ملاق العلوي بنسبة 84 %    بن عروس: توجيه 6 تنابيه لمخابز بسبب اخلالات تتعلق بشروط حفظ الصحة    وصول محمد الكوكي الى تونس فهل يكون المدرب الجديد للسي اس اس    باجة: انطلاق الاستعدادات لموسم الحصاد وسط توقعات بإنتاج متوسط نتيجة تضرّر 35 بالمائة من مساحات الحبوب بالجهة    بعد ترشّحها لانتخابات جامعة كرة القدم: انهاء مهام رئيسة الرابطة النسائية لكرة اليد    تقرير: شروط المؤسسات المالية الدولية تقوض أنظمة الأمان الاجتماعي    حليب أطفال متّهم بتدمير صحة الأطفال في الدول الفقيرة    تكريم هند صبري في مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة الخامسة    رئيس غرفة القصّابين عن أسعار علّوش العيد: ''600 دينار تجيب دندونة مش علّوش''    وزارة الدفاع الوطني تعرض أحدث إصداراتها في مجال التراث العسكري بمعرض تونس الدولي للكتاب    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس    هاليب تنسحب من بطولة مدريد المفتوحة للتنس    لأقصى استفادة.. أفضل وقت لتناول الفيتامينات خلال اليوم    في سابقة غريبة: رصد حالة إصابة بكورونا استمرت 613 يوماً..!    أولا وأخيرا..الكل ضد الكل    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العروبة والقرن الواحد والعشرون
نشر في الفجر نيوز يوم 11 - 11 - 2009

لا مستقبل للعروبة من دون تحقيق الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان
يقظان التقي
الكتاب: العروبة والقرن الواحد والعشرون
المؤلف: مجموعة من الباحثين العرب واللبنانيين
الناشر: تيار المستقبل، طبعة اولى، بيروت 2009
من بيروت، عاصمة الحريات العربية التي انطلقت منها فكرة العروبة في العصر الحديث، التقى مجموعة من الباحثين العرب لتدارس ما آلت إليه الفكرة على مستوى الفكر والممارسة والحداثة في أعمال المؤتمر الذي عقد في بيروت بدعوة من تيار المستقبل في الفترة 25 28 شباط/ فبراير 2009 تحت عنوان: "مستقبل العروبة في القرن الحادي والعشرين".
أعمال المؤتمر الذي تطلع الى تجديد فكرة العروبة وتنزيهها من حرب المزايدات والتهافت الذي لا طائل فيه، وإلى استطلاع أصول الحاضر، والاستفادة من تجارب الماضي، ليس بالمعنى الرومنطيقي والحنين فقط، وإنما تطلعاً الى تصورات مستقبلية يقدمها التيار.
المؤتمر أتى في مرحلة صعبة عربياً تتسم بنزوع رهيب نحو لغة الأقليات والعرقيات وعوامل شرذمة مما استدعى مراجعات نقدية شاملة تقتضي التحليل النقدي للخطاب القومي العربي بمنطلقاته وممارساته وسياقاته.
يتضمن الإصدار الأوراق التحتية التي تشكل وثيقة بيروتية عروبية أولاً ممتازة تطرح الإشكاليات بحس نقدي وبمراجعات وتحليلات لمراحل تاريخية ولمسار النظام العربي ككل وبطبيعة المتغيرات في النظام السياسي العربي.
ويتبيّن من البحوث حجم التنوع والتعددية في معاني فكرة العروبة الديموقراطية نفسها واختلاف أشكال وسبل تحقيقها أو تحققها في الدول العربية.
ما كان المؤتمر عادياً (د. محمد حلمي عبدالوهاب) من حيث مبتغاه فضلاً عن طبيعة الأوراق البحثية التي تقدم بها باحثون عرب ولبنانيون، الى حملة التوصيات التي خرج بها المؤتمر والتي كشفت مخاضاً كبيراً معاش عربياً في المرحلة الراهنة وبأن لا مستقبل للعروبة من دون تحقيق الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان.
كما شددت الأوراق على أن "الدولة القطرية" بصورتها الحالية هي معلم رئيس من معالم "الوحدة العربية"، في التقديم "أي عروبة تصح للقرن الحادي والعشرين كتب منسق أعمال المؤتمر الدكتور حسن منيمنة عن "العروبة بماضيها ومستقبلها وبكل علائقها التاريخية، والتي تشكل قضية صعبة ومعقدة "وتحديداً لجهة أي عروبة نريد، وهل أصبحت العروبة أندلسنا الجديدة أوائل القرن الواحد والعشرين وموشحات تراثية وفكرة ماضوية" واعتبر أن الهوية العربية تواجه أخطاراً وبالجملة، داعياً الى "استلهام عروبة الشهيد رفيق الحريري.. الذي كان عربياً مؤمناً بعروبة بناء الدولة، وعروبة بناء المواطنة، وعروبة لبنان التنويري، وعروبة التنمية، وتزويج العروبة بالديموقراطية، وبعروبة الأسواق الحرة، وبعروبة التعليم العالي، وبالتنوع والتعددية، والعروبة التي تؤمن بتحرير الأرض والإنسان معاً".
تتوزع أوراق الكتاب (المؤتمر) على محاور خمسة: "العروبة موضوعاً للجدل السياسي، تساؤلات الهوية" مقاربات لمفهوم الهوية القومية في كل من الفكر الفرنسي، والألماني والعروبي (غسان العزي وعبدالرؤوف سنو، وسمير مرقس) المحور الثاني يتناول "العروبة وتحولاتها في الفكر العربي المعاصر" في ثلاث أوراق للسيد ياسين ورضوان السيد ومحمود حداد.
وفي سياق ذي طابع خاص تناولت أوراق المحور الثالث "أفقاً للبنان: العروبة في الصيغة اللبنانية وتحولاتها في ظل البيئة الإقليمية والدولية المتغيرة" في أوراق عمل لطارق متري وحسان حلاق وداوود صايغ ووجيه قانصو ومحمد كشلي ورغيد الصلح.
أما المحور الرابع فتناول "جدل العروبة والمواطنة: قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان" ويضم أوراقاً أربع لسعيد بن سعيد العلوي وقاسم عبدالجبار وغسان الرفاعي ومحمد حلمي عبدالوهاب.
أخيراً تدور أوراق المحور الخامس حول "مستقبل العروبة في القرن الحادي والعشرين" في أبحاث لفايز القزي وبرهان غليون وعبدالحسين شعبان.
في كلمة الافتتاح للسيدة بهية الحريري ممثلة رئيس كتلة المستقبل سعد الحريري ركّزت على الذين أتوا الى بيروت ليستفيدوا من ظروفهم الصعبة ويزدادوا قرباً من عروبتهم، من بيروت كان المستقبل.. كان المستقبل أقرب والحلم أسهل. هنا تحركوا على ذاتهم ووعيهم، فحاولوا واختبروا، ونجحوا وفشلوا، من بيروت التي عاشت انتصارات العرب ونكساتهم، بيروت التي تراجع تحاربها وما تراجعت عن عروبتها..
سمير فرنجية في كلمة افتتاح المؤتمر تحدث عن عروبة تتجاوز ماضي الحروب والآلام والمهانة واليأس والأخذ بالمصير الوطني بثقافة تقوم على العدالة والسلام وثقافة المبادرة وليس ردة الفعل أو الممانعة وبسلام يبدأ بإقامة دولة عربية مستقلة على أرض فلسطين وأن تكون العروبة أداة ربط العرب على اختلاف انتماءاتهم الوطنية والدينية والمذهبية وببناء نظام إقليمي عربي حديث ومنفتح على العالم.
العلامة السيد علي الأمين دعا الى عروبة حوار الحضارات والأديان والثقافات، عروبة شيخ حكماء العرب خادم الحرمين الشريفين والعروبة التي جسدها الشهيد رفيق الحريري في علاقاته الوطنية والعروبية والدولية ومن خلال إطلاق العنان للحريات وبناء دولة القانون والمؤسسات بعيداً عن كل الانتماءات الدينية والفكرية والسياسية والإيديولوجية.
الدكتور غسان العزي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، "المفهوم الفرنسي للهوية القومية" بالبحث والتحليل، مؤكداً أن التفاعل ما بين "الدولة" و"الأمة" يبدو جوهرياً وطبيعياً: فكل دولة، بغض النظر عن شكلها وسواء كانت ديموقراطية أم لا، تؤكد بأنها الأداة والتعبير الأمثل عن الأمة التي تخوّلها بأن تكون سيدة وشرعية. وهذا التفاعل يُعبر عن نفسه خصوصاً في قانون "الجنسية" الذي يُعرّف العلاقة القانونية بين الدولة والفرد من جهة، ويسمح بالتمييز بين أولئك الذين ينتمون الى الدولة، ومن يقعون خارج إطارها القانوني من جهة ثانية.
ويخلص عزي في نهاية مقاربته التحليلية الى أن "العالم يعيش اليوم ديناميتين متناقضتين تتعايشان فيه: فمن جهة هناك، في بعض أصقاع العالم، تراجع حقيقي في منسوب مشاعر "الانتماء القومي" وزوال للحدود والكثير من مظاهر السيادة التقليدية على خلفية عولمة وأقلمة وتراجع لدور الدولة ورموزها. وفي المقابل من ذلك، هناك تأجج للمشاعر القومية وسعي محموم لجماعات لغوية ودينية وإثنية للتأرضن والعيش في حضن دولة واحدة. أي هناك دينامكية تفتت وانفصال لا تميّز بين شمال العالم وجنوبه في آن".
وفي السياق ذاته، يبحث الدكتور عبدالرؤوف سنو، الأستاذ في الجامعة اللبنانية، موضوع "القومية الألمانية وتجلياتها الوحدوية والعنصرية الإمبريالية في الحقبة من 1806 الى 1990"، وذلك من خلال أربع مراحل: الأولى، ما بين عامي 1806 1870، وفيها تكوّنت القومية الألمانية وتحققت الوحدة السياسية. الثانية، بعد عام 1890، وفيها تحوّلت القومية الألمانية الى مشروع إمبريالي تصادمي مع القوميات الأوروبية الأخرى، وصل الى ذروته خلال الحرب العالمية الأولى. الثالثة، وفيها تبوأ هتلر السلطة بين عامي 1933 و1945 حاملاً مشروعه القومي الإمبريالي القاضي بإقامة إمبراطورية ألمانية تقوم على التمجيد العنصري والتوسع في شرق أوروبا. أما المرحلة الرابعة، فتجسد انقسام القومية الألمانية بين دولتين تعيشان في ظل إيديولوجيتين ونظامين اجتماعيين متناقضين، الى أن توحدتا في أكتوبر 1990.
ويخلص سنو الى ان انهيار الشيوعية في أوروبا الشرقية شكل فرصة كبيرة أمام توحيد ألمانيا، كما شكل منعطفاً تاريخياً عالمياً، تزامن مع انتهاء الحرب الباردة. وانه بالرغم من كلفة الوحدة التي فاقت كل التصورات والتقديرات، الا ان ارادة التوحيد كانت أقوى من ارادة الانفصال. فخلال القرن الثامن عشر كان الألمان موزعين على قرابة 360 دويلة وامارة، وأصبحوا دولة موحدة بعد قرن من الزمن بفعل وضوح فكرة الوحدة لديهم وتشابك مصالحهم الاقتصادية قبل السياسية بالدرجة الأولى. ويتساءل في مرارة: هل بامكان العروبة، بما تمثله من تاريخ مشترك ولغة وثقافة واحدة وتشابك مصالح، ان تكون عامل توحيد لائنتين وعشرين دولة عربية ما يجمعها هو اكثر مما يجمع بين دول الاتحاد الأوروبي؟
اما سمير مرقس، الباحث المصري المعروف، فيبدأ ورقته المهمة "العروبة في المرحلة الراديكالية" بالتأكيد على ان ثورة يوليو 1952 كانت بحد ذاتها استجابة راديكالية لواقع مأزوم، ثم حلل ثانياً هذه الاستجابة في ضوء كل من: الاستراتيجية والسياسة والتاريخ والجغرافيا والثقافة، وفي ضوء السوسيولوجيا الحركة الثورية البازغة. وأخيراً ختم مرقس مقاربته التحليلية بقراءة تفصيلية لجدلية المواطنة والاندماج كما تبدو ضمن تضاعيف معاهدة لشبونة 2008، والتي تستلهم التزامها نحو المواطنين بتفعيل ما تضمنته وثيقة الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي بمرتكزاتها الستة: الكرامة، الحرية، المساواة، التضامن، الحقوق الفردية، العدالة. وبذلك تعد هذه الوثيقة ترجمة فعلية لتلك المبادئ الحقوقية التي تدمج المواطنين فعلياً في الواقع المعاش مما يؤكد "ان الاندماج هو ما يحفظ للكيان تقدمه، وأن حقوق الأقليات والمهمشين لا يمكن ان تتحقق بعيداً عن الاندماج الذي هو مسؤولية مشتركة بين الاقليات والمهمشين بالاصرار على الاندماج وبين الأطراف الأخرى والدولة".
أما المحور الثاني "العروبة وتحولاتها في الفكر العربي المعاصر"، فيتضمن بدوره ثلاث اوراق مهمة اولها لسيد يسين، أستاذ علم الاجتماع السياسي ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بعنوان: "تحولات الخطاب القومي المعاصر"، والتي آثر فيها الاجابة عن سؤال المؤتمر الرئيسي: اي عروبة تصح في القرن الحادي والعشرين؟ من خلال تطبيق منهجية العلم الاجتماعي المعاصر التي تحاول رسم الواقع من خلال رصد أهم الآراء والاتجاهات عبر اجراء دراسات مسحية ميدانية لاستطلاع رأي الجماهير، ثم عرج بعد ذلك على تحليل رأي النخبة السياسية بغية الكشف عن أهم التحولات التي ألمت بالخطاب القومي المعاصر.
ويخلص سيد يسين في مقاربته النهائية الى مجموعة من النتائج المهمة على الصعيدين: الميداني الواقعي، والنظري التحليلي ليؤكد في نهاية الأمر ان الآمال المعقودة على تحقيق الوحدة العربية اصبحت أكثر "واقعية" مما كانت عليه خلال خمسينات القرن الماضي، وأن الرأي العام العربي أدرك في مجمله عدم جدوى، وربما عدم امكانية توحيد اجزاء الوطن العربي الكبير بقوة السلاح، كما أكد ايضا وصول هذا الرأي العام مرحلة "تجاوز الرومانسية المفرطة في نظرته للمسائل القومية وقضية الوحدة بالذات".
(وفي سياق مغاير يحلل رضوان السيد، المفكر اللبناني واستاذ الدراسات الاسلامية بالجامعة اللبنانية، "أيديولوجيات العروبة وصعود التيارات الدينية" من خلال الحديث عما اسماه المفكر منح الصلح من قبل "عروبة النخبة واسلامية الجماهير"، مؤكداً كذلك ان حركة الواقع كانت سابقة لحركة الفكر في المشرق العربي، وأن الفكرة القومية بدأت بالتحول الى ايديولوجيا على ثلاث مراحل: مرحلة الجدال بين القوميين العربو القوميين السوريين، ثم مرحلة الجدال بين القوميين العرب والبعثيين، وأخيراً مرحلة الجدال والتلاقح بين القوميين العرب والشيوعيين.
ويخلص السيد في نهاية مقاربته هذه الى انه لا يمكن الاجابة على التساؤل التالي: لماذا اكتسب الاسلام السياسي كل هذه الجماهير الهائلة؟ بأن ذلك يعود الى فساد أو خطل فكرة العروبة، فهناك، الى جانب التجربة التاريخية السيئة لفكرة العروبة كما تجلت في المرحلة الراديكالية، فساد الأنظمة السياسية، وهناك ظروف الحرب الباردة التي اطلقت مارد الايديولوجيات من عقاله، وهناك ايضا موجة الاحياء الديني على مستوى العالم.
اما الدكتور محمود الحداد، الأستاذ بجامعة قطر، فيعرض في ورقته "العروبة: تاريخ الهوية ومعضلات القوميات" الاتهامات التي وجهت للعروبة كفكرة وحلم شغل الجماهير العريضة من المحيط الى الخليج وذلك من خلال تقسيمه الورقة الى قسمين: الأول هو تاريخ الهوية، او بالأحرى الهويات العربية، والثاني المعضلات التي أثارتها القومية العربية خلال تطبيقها واقعياً في المرحلة الراديكالية. ويخلص الحداد في نهاية مقاربته الى القول: انه اذا كان من غير الواقعي تصور امة عربية واحدة في دولة عربية واحدة في المستقبل المنظور، بسبب عدم توفر لا الظروف الذاتية ولا الموضوعية في المرحلة الحاضرة، فانه من الخطأ عدم الاعتراف بأن الكثير من الثقافة والكثير من المشاعر والمصالح لا تجمع بين اطراف بلاد العرب. وأن وحدة جزئية صادقة، أو تضامنا جزئيا جدياً، قادر على ان يغير الصورة الكاملة جذرياً ويضعنا امام مستقبل جديد لا يكرر ازمات وبؤس السياسات التي نشهدها حالياً. وأنه اذا امكن لنا ان نجتمع جزئياً، فان تحرير الارادة العربية يصبح ممكنا على مستوى عملي يشع على مجمل الأوضاع العربية".
وفي سياق ذي طابع خاص تغوص بنا اوراق المحور الثالث المعنون "افقا للبنان: العروبة في الصيغة اللبنانية وتحولاتها في ظل البيئة الاقليمية والدولية المتغيرة"، في الحالة اللبنانية بتجاذباتها المختلفة وأطيافها المتعددة حيث شدد الوزير طارق متري في مطالعته واطلالته القصيرة "العروبة والمستقبل، الحالة اللبنانية نموذجاً، على حاجتنا الى نقاش متجدد وبلغة متجددة في مسألة العروبة ومستقبلنا معاً، ما يقتضي مراجعة نقدية لكافة التجارب والرؤى والتصورات خاصة وأن خصوبة الموضوع تستدعي تحرره من الأحكام القيمية والمتسرعة والتي تحكم في الغالب مواقف التعبئة او الادانة.
وخلص متري في نهاية مقاربته الى انه لا مناص من الاصرار على وضع الفوارق بين الشعوب والثقافات والأديان في نصابها بدلاً من اجهاد النفس في تضخيمها، مما يتطلب تنازلاً عن مركزية "الأنا العربية"، وبما يؤدي الى اخصاب الحياة السياسية والثقافية العربية بتجارب تبلورت في أماكن اخرى من العالم، فضلاً عن ضرورة مراجعة ما خبرناه نحن في مراحل سابقة.
من جهة أخرى يبدأ الدكتور حسان حلاق ورقته المعنونة: "زمن التحولات من العثمنة والتتريك الى العروبة والاصلاح"، بالتأكيد على عروبة لبنان التي تمتد بجذورها التاريخية الى خمسة آلاف عام على الاقل، ثم يتتبع بخبرة المؤرخ استمرار الخصائص العربية وتجذرها في عمق التاريخ اللبناني، وبخاصة في بيروت المحروسة، على الرغم من وقوعه تحت العديد من انواع السيطرة الغربية الصليبية تارة، والمملوكية ثم العثمانية الاسلامية تارة أخرى.
وفي هذا السياق يتعرض حلاق الى تطور فكرة العروبة في لبنان وأهم السياقات التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي افرزتها فيخصص جزءاً من مقاربته للحديث عن "القومية الطورانية" باعتبارها احدى قنوات التتريك في العصر العثماني، ثم يخصص الجزء الأكبر من ورقته للحديث عن "العروبة في فكر الشهيد عبد الغني العريسي (1891 1916)"، باعتباره احد أهم المناضلين من اجلها حيث اصدر بالاشتراك مع فؤاد حنتس صحيفة "المفيد" والتي استمرت في الصدور من 1909 الى 1915. كما ساهم في عقد "المؤتمر العربي الأول بباريس 1913"، بالاشتراك مع عوني عبد الهادي وآخرين الى ان حكم عليه بالاعدام في 6 ايار 1916 في ساحة البرج، الشهداء فيما بعد، ويخلص الاستاذ حلاق في نهاية مقاربته الى انه بالرغم من المراحل العديدة التي مر بها لبنان؛ ستبقى العروبة "هي المنشأ والأصل والاساس والجذور، وكما نشأ لبنان منذ خمسة الاف عام سامياً عربياً، فانه استقر عربي الانتماء والهوية بالرغم من جميع التطورات المحلية والاقليمية والدولية، وهذا ما اكد عليه اتفاق الطائف عام 1989، والدستور اللبناني عام 1990".
اما داوود الصايغ فيتناول في ورقته "العروبة واللبننة، من عروبة الوجه الى الانتماء الكامل"، مسألة التركيز من قبل الادارة الأميركية الحالية على مخاطبة "العالم الاسلامي" لا العربي، كما لو ان المشهد العربي لم يعد مرئياً بعد! وكما لو ان "العالم الاسلامي" هو من بات يستقطب الاهتمام من قبل قادة الرأي الغربيين، وبحسبه، فان موضوع العروبة يطرح مسألة خصوصية الوضع اللبنانية وهذا التلازم مصدره ان اللبنانيين لا يزالوا ينتظرون من اخوانهم العرب تجنيب بلدهم مختلف انواع الصراعات وليس فرضها عليه.
ويخلص الصايغ من مقاربته هذه الى ان لبنان لم يكن يوماً من الأيام ضائعاً او متردداً في ما يتعلق بمسألة انتماءاته او عروبته، فلبنان عربي الهوية والانتماء، ومع ذلك؛ فوحده لبنان "من بين دول المشرق العربي عانى تساؤل الانتماء العربي، والذي لم يبت رسمياً، الا بعد اكثر من اربعين سنة من استقلاله، لان التسليم الأول كان لعروبة الوجه، وفق البيان الاستقلالي الاول للرئيس رياض الصلح عام 1943" . ومن ثم؛ فان المطلوب الآن ان تتحول "عروبة الوجه" هذه الى "عروبة الانتماء الكامل" وذلك عن طريق ابعاد الصراعات عنه ورفع الأيدي عنه وعدم الزج به في اتون صراعات ايديولوجية لا تنتهي دون ان يكون له فيها ناقة ولا جمل! وهنالك سيغني لبنان العروبة، بنموذجه الحضاري وبابداعه الثقافي، ليكون بحق نموذج "العروبة المبتغاة" ونافذتها المفتوحة على المستقبل.
وفي السياق ذاته تمضي باقي أوراق المحور والتي تحدث فيها الدكتور مشير باسيل عون عن "الفكر العربي الديني المسيحي في تصوره للعروبة المقبلة"، حيث يسأل هل ان الاستفسار المسيحي عن العروبة يتمايز عن الاستفسار الاسلامي؟ وكيف؟ ذلك ان العروبة فعل قبل ان تنقلب نظرية، والحال هذا، ان العقل العربي ما انفك يؤثر النظر المجرد على الفعل التاريخي، وفي هذا مقتله الأدهى.
وتحدث الدكتور وجيه قانصو في ورقته عن "الصيغة اللبنانية والعروبة، قراءة في السياقات الداخلية" حيث يرصد السياقات اللبنانية داخل الفكرة العربية، ويواكب مولدات المشروع العربي داخل نزعة المشروع اللبنانية للتحقق والانبثاق. فتنكشف امامنا علاقة جدلية ونزاعية، تتجلى في الوصل بينهما حيناً والفصل حيناً آخر. وتأخذ منحى القطيعة مرة، كما تنحو الى الانصهار مرة ثانية.
اما الاستاذ محمد كشلي فتحدث في ورقته عن "العلاقات العربية العربية، التجربة اللبنانية نموذجاًَ" اذ استعرض كيفية انجاز التسوية بين العروبة واللبنانية، حيث يجب ان يستفاد من هذه التجربة دروساًَ وعبر تفيد ضرورات المواءمة بين المنطق الفكري لأي دولة مع الإطار القومي الأوسع وذلك لإغناء مستقبل العروبة وحاجتها الى الديموقراطية والانفتاح.
اما المفكر اللبناني رغيد الصلح فيعتقد في بحثه "العروبة وأنظمة الحماية والانتداب في المرحلة الاستقلالية" ان خيارات العروبيين اللبنانيين سليمة وصائبة اذ اقاموا افضل العلاقات مع سوريا ولعبوا دوراً محورياً في تمتين عرى الصداقة بين الشعبين الشقيقين ما داموا مقتنعين، ان التكتل العربي القائم على اساس المبادئ الديموقراطية وعلى اساس طوعي هو الافضل.
هذا ويتناول المحور الرابع "جدل العروبة والمواطنة: قضايا الديموقراطية وحقوق الانسان"، والذي يضم أوراقاً اربع يتناول سعيد بن سعيد العلوي المفكر المغربي "العرب والديموقراطية" حيث يعتبر ان الحديث عن العرب والديموقراطية، يحملنا الى طرح اسئلة عديدة وجوهرية بالنسبة لوجهة نظر تاريخ الفكر التي تصدر عنها، حيث لا يملك مؤرخ الفكر ولا يستطيع ان يكون منفصلاً عن هموم الحاضر وآمال المستقبل، ويخلص الى ان الاستبداد في العالم العربي جزء من المكون المعرفي لا شعوري للانسان العربي؛ مما اتاح اعادة انتاجه (الاستبداد) بشكل سهل ومستمر. فيما يتناول كاتب هذه السطور الدكتور محمد حلمي عبد الوهاب " جدل الهوية والمواطنة في الفكر العربي المعاصر، التيارات المصرية نموذجاً" محللاً الفكرة القومية في خضم الانقسامات الايديولوجية السائدة في مصر تبعاُ لتأثره بروافد الفكر القومي الغربي، فاضحى كل تيار يمتلك مفاهيم محددة بمعنى القومية من جهة ولحدود الجامعة المصرية وهوية مصر الموزعة ما بين انتماء لتاريخها الفرعوني من جهة وارثها العربي الاسلامي من جهة ثانية. اما الدكتور فالح عبد الجبار السوسيولوجي العراقي الشهير فيتناول "اشكاليات الوطني والاثني في التجربة العراقية المعاصرة" اذ يصلت الضوء على التواشج العضوي العميق بين النزعة القومية والدولة القومية معتبراً ان النزعة القومية كفمهوم ونظرية وحركة او ايديولوجيا برزت الى الوجود بعد: لا قبل الظهور الفعلي للدولة القومية في العالم. واخيراً يحلل غسان الرفاعي وضعية "مسألة الاقليات في الوطن العربي" شارحاً كيف ان نهجاً ما، يمعن في فرض بناء دولة الأمة بالقوة سيتحمل خطر الاستدام وعدم الاستقرار مع الاقليات بوجه خاص، بعدما صارت تلك الفئات الاقلية تتحسس من المشارع القومية المهيمنة.
اخيراً تدور اوراق المحور الخامس والاخير حول "مستقبل العروبة في القرن الحادي والعشرين" وفيه يحدثنا الاستاذ فايز القزي عن "العروبة امام التحديات والاستحالات" اذ يتحدث عن نموذج الدولة الليبرالية في العالم العربي الذي سقط امام ظاهرة الفساد الداخلي والاستغلال الخارجي للموارد الطبيعية في تلك البلدان. مما اضطر الانظمة العربية الضعيفة الى اللجوء للحماية الاجنبية، مقابل استثمار، او بالاحرى استغلال الثروات الوطنية من الاجانب الغرباء. اما الدكتور برهان غليون المفكر السوري المعروف، يخصص ورقته للحديث عن "عروبة القرن الحادي والعشرين" مستخرجاً من مبدأ الانتماء القومي للعروبة؛ اشكاليات لأوجه متعددة ومتنوعة؛ تبعاً لاحتياجات الناس المتغيرة فقد تكون العروبة رديفة للفكرة الاستبدادية او انها ايديولوجية عنصرية او انها كما كانت منذ نشأتها على انقاض الدولة العثمانية؛ مشروع تغيير او موضوع ثورة على الماضي. بهذا المعنى، لا تبدو العروبة على الاطلاق امراً بديهياً. واخيراً يختتم الدكتور عبد الحسين شعبان هذا المحور بورقة مهمة عن "النظام الاقليمي العربي والامة المعتقة" معتبراً ان ميثاق الجامعة العربية اتسم بالبساطة الشديدة وبصياغات عامة. لم تستطع ان تغلب ما هو عربي على ما هو قطري. وقد ظل هذا الامر منذ التأسيس وحتى اليوم موضوع نقاش، بدا وكانه عقيم في ظل عالم متغير ومتجدد. فلا بد اذاً من الإقرار بوجود أزمة والاعتراف بها بعد ان يتم تشخيص مظاهر الازمة في العلاقات العربية العربية.
اطلالة سريعة على محتوى هذا الكتاب لتكشف عن ثراء الاوراق التي قدمت فيها وتنوعها، كما يكفي ايضاَ الاطلاع على البيان الختامي لأعمال المؤتمر المنشور بنهاية الكتاب للوقوف على مدى التطور الذي لحق بالفكر العربي المعاصر في نظرته ومراجعاته لحصيلة تجاربه ونظرياته السابقة ما يعد بمثابة "نقلة نوعية" على المستوى التنظيري العام. ويبقى التطبيق العملي رهناً بتوجهات القائمين على رسم السياسات.
استناداً للابحاث والمناقشات والتي اكدت على المؤكد: السمات الثقافية والاجتماعية والنفسية المشكلة تاريخياً ودينياً وعلى وحدة اللغة والتراث والذاكرة التاريخية والى ضرورة الاقتراب من آفاق مستقبلية بنوع من الاكتشاف المتجدد الخلاق لعروبة تقوم على ارساء دولة القانون اي الدولة الدستورية بما تتضمنه من حريات مدنية وقانونية ومساواة امام القانون واحترام حقوق الانسان وعلى ارساء دولة عصرية تقوم على التمثيل الحقيقي وتداول السلطة وحرية الفكر والتعبير والتعددية السياسية والفكرية والثقافية وحماية كل الجماعات الاثنية الثقافية والدينية الموجودة في سياق المجتمع العربي على قاعدة الحقوق الكاملة للمواطنة كما حددتها مواثيق الامم المتحدة ثم احترام الدولة القطرية بوصفها كياناً قانونياً قائماً كأداة لوحدة الجمع الوطني.
اخيراً تتبنى الدعوة الى جعل العروبة ممارسة يومية ديموقراطية متجددة والدعوة الى مشاركة المجتمع المدني والشباب العربي في فلسفة النهوض بحوارات وافكار جديدة وبحلول ابداعية تخرج الامة من ركودها ورفع مستوى الوعي العام فيما يتعدى الذاكرات الماضوية الى تطوير طرق التعبير الحديثة من مثل التطلع الى اكتشاف خلاق لقوى مجتمعية اجتماعية واقتصادية افراداً ومؤسسات وتعزيز الموقع العربي في عصر العولمة وفي الاطار العالمي عبر توسيع الحوار الديموقراطي والمراجعات النقدية الجدلية وبحرية بلا ضعاف عروبة بفصول متجددة وانسانية.
هل يمكن تفكيك العقد وان تكون العروبة الى اليوم مسألة نقاش متجدد في عالم اليوم وتجاوز هذا التشكيل في المعنى والوجود بدل نهضة عربية ثانية وثالثة يكون منطلقها وجذرها بيروت مجدداً.
المستقبل - الاربعاء 11 تشرين الثاني 2009 - العدد 3480 -


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.