من سنة إلى أخرى تتزايد الضغوطات على الدول، من بينها تونس، لإلغاء عقوبة الاعدام وتجددت هذه الدعوة أمس بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لمناهضة الاعدام الموافق ل10 أكتوبر من كل عام .. ما زالت القوانين في تونس تحافظ على عقوبة الاعدام، و مازالت المحاكم التونسية تُصدر أحكام الاعدام بناء على هذه القوانين. لكن على أرض الواقع لم يقع تنفيذ اي حكم اعدام بتونس منذ حوالي 21 عاما. ففي 17 نوفمبر 1991 تم تنفيذ آخر حكم اعدام بتونس وذلك في حق الناصر الدامرجي المعروف باسم سفاح نابل بتهمة اغتصاب وقتل أطفال صغار. وكانت تونس قد صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال شهر نوفمبر 2007 على قرار يدعو الدول الأعضاء إلى إيقاف تنفيذ أحكام الإعدام.
100 محكوم بالإعدام
يوجد حاليا في السجون التونسية حوالي 100 محكوم صدرت في شأنهم احكاما باتة بالإعدام طيلة العشرين عاما المنقضية دون أن يقع تنفيذها، منهم بعض النساء وبعض المحكومين غيابيا. وقد ارتكب جميعهم جرائم مختلفة مثل القتل العمد مع سابق الإصرار والترصد و القتل العمد بعد الاغتصاب و القتل العمد بعد هتك العرض و القتل العمد الذي تتبعه سرقة ارتُكبت بعنف شديد.
ويقع إيواء المحكومين بالاعدام في أروقة خاصة داخل السجون، وقبل ثورة 14 جانفي كاموا ممنوعون من زيارة الأقارب في السجن ومن «القفة»، لكن بعد الثورة أصبح هناك اتجاه نحو التخلي عن هذا الاجراء والسماح لعائلاتهم بزيارتهم وتمكينهم من القفة .
مُعدمون... مع تأجيل التنفيذ
يتزايد الجدل في تونس من سنة إلى أخرى حول إلغاء عقوبة الإعدام. ورغم أن المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية وكذلك الأممالمتحدة وعدة دول أعضاء بها يباركون خطوة تونس نحو الإلغاء الفعلي للإعدام ( الغاء التنفيذ )، إلا أنهم يرون انها خطوة منقوصة ولا بد أن يتبعها إلغاء قانوني لهذه العقوبة. ويرون من جهة اخرى ان هذا الوضع خلق فئة جديدة من المساجين، فلا هم مسجونون محافظون على حقهم في الحياة ولا نفذ فيهم حكم الإعدام وبالتالي فوضعياتهم مُعلقة وغامضة وهو ما قد يزيد في قساوة وقع العقوبة عليهم ويجعلهم يعيشون ضغطا نفسيا قاسيا وهم ينتظرون الموت في أي لحظة زمنية.
خطوة هامة
ذكرت السفيرة، رئيسة بعثة الاتحاد الاوروبي بتونس ، السيدة «لورا بايزا» خلال ندوة صحفية عقدتها مؤخرا بمقر البعثة (بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لمناهضة التعذيب)، أن الاتحاد الاوروبي يُحيي تونس على هذه الخطوة و يعتقد أنها ستكون متبوعة بالغاء تام لعقوبة الاعدام من القانون التونسي. وعلى حد قولها فان تونس ما انفكت تعبر عن رغبتها في الغاء هذه العقوبة من قوانينها بدليل انها صادقت في جويلية 2011 على قانون روما المُحدث للمحكمة الجنائية الدولية وهو قانون يلغي عقوبة الاعدام، وهو ما حيّاه الاتحاد الاوروبي. وأضافت أن تونس التزمت خلال مراجعة تقرير حقوق الانسان فيها لدى الاممالمتحدة بتعويض عقوبات الاعدام بالسجن. وعبرت عن اعتزام الاتحاد الاوروبي مساعدة تونس من أجل اطلاق حملة للتشجيع على الغاء هذه العقوبة.
135 إعداما منذ الاستقلال
شرعت المحاكم التونسية في إصدار أحكام بالإعدام وتنفيذها منذ 1956 وقد بلغ عدد الأشخاص الذين نفذ فيهم حكم الإعدام منذ 1956 إلى 1991 مائة وخمسة وثلاثون شخصا( 135 ) منهم 129 قبل 1987 . وتوجد عدة جرائم في القانون التونسي يُعاقب مرتكبها بالاعدام مثل الاعتداء على أمن الدولة الخارجي والداخلي والقتل العمد والاعتداء على موظف عمومي والاغتصاب المصاحب باستعمال العنف والاعتداء بالعنف المرافق باستعمال السلاح أو التهديد به على قاض أثناء الجلسة، والخيانة المرتكبة من طرف العسكريين، والاستيلاء على سفينة بالعنف من كل ربان أو ضابط وتسليم السفينة إلى العدو من طرف أي عضو طاقم سفينة، وتخريب السكة الحديدية أو إحداث خلل بها أو وضع أشياء أو القيام بأي فعل من شأنه إخراج الأرتال عن السكة وتسبب ذلك في وفاة شخص، ….الخ.
بمناسبة عرض تونس تقريرها حول وضع حقوق الانسان في ماي الماضي امام مجلس حقوق الانسان بالاممالمتحدة بجينيف، تواصلت الدعوات والضغوطات من عدة دول ومنظمات حقوقية وانسانية دولية ووطنية من اجل إلغاء هذه العقوبة بشكل نهائي من القانون التونسي بعد إلغائها على ارض الواقع. لكن موقف الحكومة التونسية كان قد رفض المقترح في الوقت الحاضر لانها حكومة مؤقتة ولا يمكنها اتخاذ قرار مُلزم كهذا بصفة منفردة دون إجراء حوار وطني حول هذا المقترح، تشارك فيه كل الآراء والاحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني .
ومنذ 1977 ألغت أكثر من 140 دولة هذه العقوبة في القانون و على مستوى التنفيذ. ولا تزال حوالي 58 دولة تعمل بهذه العقوبة في قوانينها، بينما على ارض الواقع مازالت فقط بضعة دول تنفذها .