السكك الحديدية: محطة غار الملح ستكون دولية    الاسم ''محمد'' واللقب ''أصغر حاج''...مكة تسجل أول حالة ولادة بموسم الحج 2024    ألمانيا تستعد لأخطر مباراة    الكالتشيو: نادي فيرونا الايطالي يعلن إنفصاله عن مدربه    مهاجم المنتخب الإسباني السابق مدربا جديدا للفريق الثاني لأتليتيكو مدريد    دمج تطبيق '' تشات جي بي تي '' على هواتف آبل    قابس: توفّر العرض وزيادة في أسعار الأضاحي مقارنة بالسنة الفارطة    القصرين: رفع 256 مخالفة اقتصادية وحجز أطنان من المواد الغذائية الأساسية    كيف استعدت "الصوناد" لتأمين ارتفاع الطلب على الماء خلال عيد الأضحى؟..    كأس العالم 2026: برنامج الدفعة الأخيرة لمنافسات الجولة الرابعة الخاصة بالقارة الإفريقية    رئيس الفيفا يعلن انطلاق العد التنازلي لضربة بداية مونديال 2026    بن سليمان: نسبة إدماج خريجي منظومة التكوين المهني في سوق الشغل يبلغ 80 بالمائة    الكشف عن محل لتعاطي البغاء السري في المرسى..وهذه حصيلة الايقافات..#خبر_عاجل    عيد الاضحى : خلية احباء الافريقي تعلن إقامة حفل '' شواء''    وفاة الطفل ''يحيى'' أصغر حاجّ بالأراضي المقدّسة    وزارة الصحة: جلسة عمل لختم وتقييم البرنامج التكويني لتنفيذ السياسة الوطنية للصحة في أفق 2035    هلاك شاب ال30 سنة في حادث مرور مروع بصفاقس..    موعد التصريح بالحكم ضدّ الغنوشي في قضية الإشادة بالإرهاب    غدا: جلسة عامة بالبرلمان    ديوان الإفتاء: مواطنة أوروبية تُعلن إسلامها    الحماية المدنية: تسجيل 4 وفيات و451 إصابة في حوادث مختلفة    يهم المسافرين : 3 نصائح أساسية لتجنب الغثيان على متن الطائرة    إجراءات إستثنائية فيما يخص ''حالات الغش'' لتلاميذ الباكالوريا ..وزيرة التربية توضح    تصفيات كأس العالم 2026: غانا تفوز على أفريقيا الوسطى وموزمبيق تتغلب على غينيا    هام/ تراجع ملحوظ لأسعار لحوم "العلوش" بالمساحات التجارية ومحلات القصابين..    استشهاد 12 فلسطينيا في قصف للاحتلال الصهيوني على قطاع غزة..    الكاف ..بعث نواد في الذكاء الإصطناعي بالمدارس الإعدادية    مقترح قانون صناعة المكملات الغذائية على طاولة البرلمان و هذه التفاصيل    طقس الثلاثاء: الحرارة تصل الى 46 درجة مع ظهور الشهيلي    اليوم: حرارة مرتفعة ومرتفعة جدّا وقويّة    مبادرة نموذجية في تنظيم اختبارات مادة التربية البدنية    معطيات عن واقع قطاع الطاقة في تونس    تألق في المسابقة الوطنية «التدخين يسبب أضرارا» يزيد الرقيق يحرز جائزة وطنية ويحلم بالعالمية !    المدرسة الابتدائية القبودي بني خلاد ...المرتبة الأولى في المسابقة الجهوية للألعاب البيداغوجية الرقمية في دورتها الثانية    سليانة..معلمة تبتكر وسائل تعليمية حديثة    مجلس الأمن يوافق على مشروع قرار أمريكي بوقف إطلاق النار في قطاع غزة..#خبر_عاجل    الأردن يستضيف مؤتمرا دوليا للاستجابة الإنسانية في غزة    تحذير مرعب.. النوم أقل من 7 ساعات يزيد من خطر الوفاة..    "احمدي ربك".. رد مثير من مستشارة أسرية سعودية لامرأة ضبطت زوجها يخونها مع 6 نساء!    زلزال بقوة 5 درجات يضرب هذه المنطقة..    خالد النوري: وزارة الداخلية حريصة على تعزيز مشاركة منتسبيها في المهمات الأممية    بالفيديو.. عاصفة بردية تتسبب بأضرار جسيمة في طائرة نمساوية    ظهور لافت للمجندات السعوديات خلال استعراض قوات أمن الحج لهذا العام    توقيع اتفاقية شراكة بين الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة و"الصوناد"    دار الافتاء المصرية : رأس الأضحية لا تقسم ولا تباع    انطلاقا من يوم العيد في القاعات: فيلم يروي تفاصيل "اخفاء صدام حسين"    مونديال الأندية : ريال مدريد ينفي و يوضح    نابل: تسجيل 27 حالة غش منذ إنطلاق امتحان الباكالوريا 2024    العاصمة: عرض للموسيقى الكلاسيكية بشارع الحبيب بورقيبة في هذا الموعد    لقاح للقضاء على السرطان ماالقصة ؟    في حادثة صادمة: سيجارة إلكترونية تتسبب في انفجار رئة مراهقة..!!    خبر غير سار لأحباء لاعبة التنس أنس جابر    قطاع التامين: أقساط صافية ب 1148.2 مليون دينار في الربع الأول من العام    معرض صفاقس الدولي الدورة 58 من 21 جوان الى 7 جويلية    موعد عيد الاضحى: 9 دول تخالف السعودية..!!    تطاوين : بدء الاستعدادات لتنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي للمونودراما وإسبانيا ضيف شرف    هند صبري تلفت الأنظار في النسخة العربية لمسلسل عالمي    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرقة مدينة تونس للمسرح : قانون أساسي منذ عهد الاستعمار... وصراع متواصل مع المجالس البلدية
نشر في الشروق يوم 21 - 10 - 2012

من يتحدث عن تاريخ المسرح التونسي، حتما سيقف عند محطة هي الأبرز والأهم في هذا التاريخ، وهي فرقة مدينة تونس للمسرح، التي تأسست قبل استقلال البلاد التونسية ومازالت الى الآن رغم الظروف الصعبة ماديا وإداريا.

هذه الفرقة المسرحية العريقة، والتي تعتبر ذاكرة المسرح التونسي، تأسست نتيجة مطالب تقدّم بها عدد كبير من رؤساء الجمعيات المسرحية ومثقفون في أربعينات القرن الماضي وقد عقد عدد من الفاعلين في الحقل الثقافي إذّاك مؤتمرا بمقهى رمسيس بباب سويقة وتحديدا يوم 5 جوان 1949 تدارسوا خلاله الوضع المسرحي وكوّنوا لجنة للاتصال بأعضاء المجلس البلدي لاقناعهم بضرورة تبني بلدية العاصمة، لمشروع تأسيس فرقة مدينة تونس، وتكوّنت اللجنة آنذاك من السادة محمد المرزرقي والهادي العبيدي ومحيي الدين بن مراد ونورالدين بن عمر، وحمودة معالي ومحمد بن فضيلة ومحمد أحمد شبشوب.

تأسيس الفرقة

وإثر عودة الأستاذ حمادي الجزيري الى تونس بعد أن أنهى دراسته المسرحية في فرنسا وهو الذي أرسلته بلدية تونس لدراسة المسرح هناك تأسست فرقة مدينة تونس للمسرح بصفة غير رسمية بمقتضى بلاغ أصدرته بلدية تونس بالصحف التونسية، جاء نصه كما يلي:
«في 28 جويلية 1953 اجتمع بقصر بلدية تونس العاصمة الممثلون وبعض أعضاء المجلس البلدي برئاسة الكاهية بلحسن منصور، وكذلك بحضور رئيس قسم الفنون المستظرفة بالبلدية وأعلن المسؤولون في هذا الاجتماع أن الفرقة البلدية التي طالما وقع التردد في تكوينها منذ سنوات، قد تقرر ايجادها فعلا نظرا لإخفاق التجارب الماضية في قضية رفع مستوى التمثيل، وهذه الفرقة ستتكوّن من أحسن العناصر في التمثيل بتونس، وبذلك يأخذ التمثيل صبغة الاحتراف وقد كلّف السيد حمادي الجزيري بإدارة هذه الفرقة واجراء التمارين اللازمة والشروع في العمل الايجابي والاشراف على تحضير روايات مختارة».

وأما رسميا، فإن فرقة مدينة تونس تكوّنت بمقتضى القرار البلدي المؤرخ في 25 جانفي 1955 وكلف فقيد المسرح التونسي محمد العزيز العقربي بإدارتها خلفا للمسرحي المصري الشهير زكي طليمات الذي أشرف على تسييرها فنيا في مرحلتها الأولى، أي بعد القرار الذي أسلفنا ذكر نصّه.
ثم تداول على إدارة الفرقة كل من المسرحي حسن الزمرلي (19601961) ومن بعده الفنان علي بن عياد الذي أدار فرقة مدينة تونس من سنة 1963 الى غاية سنة 1972 وحاليا تدير هذه الفرقة العريقة السيدة منى نور الدين التي عايشت تقريبا الفرقة منذ تأسيسها وشربت من كل المدارس المسرحية.

ثراء مسرحي

ذكر تاريخ فرقة مدينة تونس للمسرح، في الواقع ليس اعتباطيا، فهذا التاريخ ثري ثراء المسرح التونسي تاريخ ضم مسرحيات من أفضل المسرحيات التونسية وحتى العربية على غرار «تاجر البندقية» و«يوليوس قيصر» و«صقر قريش» و«عبد الرحمان الناصر» و«الأيدي القذرة» و«أوديب الملك» و«أنطيقون» و«مجنون ليلى» و«الكاهنة» و«أهل الكهف» و«عطيل» و«هملت» و«كاليقولا» و«الماريشال» و«مراد الثالث» و«ثورة صاحب الحمار» و«عطشان يا صبايا».
أعمال كلاسيكية وأخرى كوميدية ظلّت راسخة بذاكرة التونسي الى يوم الناس هذا لكن انتاجها لم يكن بالأمر الهيّن، فالصراع بين إدارة الفرقة البلدية والمجالس البلدية الخاضعة لها الفرقة إداريا وماليا كان منذ نشأتها، عندما ماطل أعضاء المجلس البلدي سنة 1953 المسرحي حمادي الجزيري في موضوع تمكينه من المسرح البلدي الى أن ملّ وقرّر الانسحاب، لكن العصر الذهبي لفرقة مدينة تونس كان في عهد إدارة المسرحي علي بن عياد لها، في تلك الفترة الزمنية كانت ميزانية الفرقة تقدّر بمئات الملايين فحتى أقمشة الملابس كانت تستورد من خارج أرض الوطن ومصمم الأزياء أيضا كان أجنبيا وكان البهرج كبيرا، وكانت الانتاجات المسرحية تجوب أقطارا عديدة بهذا العالم...

أما في السنوات الاخيرة أو لنقل في العشرية الأخيرة كانت صعبة للغاية حتى أن فرقة مدينة تونس فقدت بريقها واشعاعها المعهود، نتاج التقشف المادي والمماطلة الادارية للمصالح المختصة ببلدية تونس، مما جعل بعض الفاعلين في الحقل الثقافي يصرّحون بأن هناك نية من بلدية تونس للتخلّي نهائيا عن فرقة مدينة تونس واغلاقها، رغم انه رسميا ليس هناك قرارات من هذا القبيل. الا ان سبب بروز مثل هذه الاقاويل هي تلك المؤشرات المعروفة عما يمكن تسميته بالمماطلة الادارية والمالية، فكم من مرة تفوّت الاجراءات الادارية بالبلدية الفرصة على فرقة مدينة تونس للحصول على الدعم من وزارة الثقافة!

ميزانية في تراجع كبير

ومن جهة أخرى وحسب مصادر مطلعة تراجعت ميزانية الفرقة بصفة كبيرة جدا منذ عهد ازدهار فرقة مدينة تونس للمسرح، هل تعلمون كم ميزانيتها الحالية؟! فبعد ان كانت بمئات الملايين في عهد علي بن عياد، اليوم لا تتجاوز 20 ألف دينار حسب التقريب وفي زمن قريب اي سنة 2005 كانت الميزانية تناهز الاربعين ألف دينار تراجع كما تلاحظون بلغ النصف، فعلا أمر محير فعندما زاد مستوى المعيشة، وانخفضت قيمة الدينار التونسي تراجعت الميزانية الى النصف حتى غدا الانتاج عسيرا.
ورغم ذلك كله فقد أنتجت فرقة مدينة تونس للمسرح بإدارة السيدة منى نورالدين ثلاث مسرحيات في السنوات الثلاث الاخيرة، اي بمعدل عمل في كل سنة وهذه الاعمال المسرحية هي: «حيلة وتشيطين» سنة 2009، و«الليل زاهي» سنة 2010 و«موزاييك» سنة 2011، وهناك مشاريع أخرى في الفترة الحالية بصدد الدرس فضلا عن مسرحية «الماريشال» في نسختها الثانية التي بلغ عدد عروضها 200 عرض في ثلاثة أعوام (من 2005 الى 2008).

عدد الممثلين تراجع

وعلى غرار الميزانية تراجع عدد الممثلين بشكل ملفت للانتباه والفرقة العريقة التي انطلقت في أولى أعمالها المسرحية قبل الاستقلال ب32 ممثلا اليوم بها خمسة ممثلين وهم زهير الرايس ومنجي بن حفصية (وهما ملحقان من وزارة التربية) وريم الزريبي وكوثر الباردي وفيصل بالزين (متعاقدون). هذا اضافة الى السيدة منى نورالدين باعتبارها ممثلة لكنها تبقى مديرة الغرفة قبل كل شيء.
وتجدر الاشارة الى ان أعضاء الفرقة وعلى رأسهم السيدة منى نورالدين تقدموا بعديد المطالب في السنوات الاخيرة لدعم الرصيد البشري لممثلي الفرقة، لكن ادارة البلدية لم تحرّك ساكنا تجاه هذا الموضوع او هذا المطلب، وقد علمنا ان هذا الموضوع يصعب تحقيقه حتى سنة 2013 نظرا للظروف المالية الصعبة التي تعيشها الفرقة في الوقت الراهن.

قانون أساسي شاهد على الاستعمار

والأكيد ان كل ما ذكر وحتى ما لم يذكر من الصعوبات التي تتخبط فيها فرقة مدينة تونس، له علاقة بالتسيير الاداري والمالي لبلدية تونس اذ ان القانون الأساسي لهذه الفرقة لم يتطور ولم يقع تنقيحه منذ كتابته اي قبل حصول البلاد التونسية على الاستقلال.
وفي هذا الاطار علمنا ان اللجنة الثقافية ببلدية تونس اجتمعت مؤخرا بحضور ممثلي فرقة مدينة تونس وادارتها، وتدارسوا موضوع تجديد القانون الأساسي للفرقة والذي لم يعد صالحا لهذا العصر، وقوانينه تجاوزها العصر، واقترحوا هيئة تضم مختلف الأطراف من نقابيين واداريين ورجال قانون وفنانين وستمثل فرقة مدينة تونس في هذه الهيئة السيدة منى نورالدين. وستعمل هذه الهيئة على تنقيح القانون الأساسي بما يستجيب لمقتضيات عصرنا الحالي.

رفض الاستقالة

كما يذكر من ضمن الظروف الصعبة التي تمر بها فرقة مدينة تونس جراء المعاملات الادارية غير المعاصرة من قبل الادارة المعنية بالثقافة ببلدية تونس، ان السيدة منى نورالدين تقدمت باستقالتها، وقد نشرنا هذا الخبر على أعمدة «الشروق» في وقت سابق، لكن علمنا ان رئيس البلدية الحالي (شيخ المدينة) رفض هذه الاستقالة، وتواصل حاليا السيدة منى نورالدين تسيير فرقة مدينة تونس كمديرة لها.

الاستقلالية...

كل المشاكل والصعوبات مرتبطة أساسا بعدم استقلالية فرقة مدينة تونس اداريا وماليا، وهذا الموضوع ان توسع القول فيه طال وإن رمي بالقصد جاز، لكن اذا تواصل الحال على ما هو عليه فإن الصعوبات ستتواصل خاصة اذا لم يطرح بند «الاستقلالية» الادارية على الاقل في القانون الأساسي الجديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.