تونس 28 ماي 2009 (وات) شهدت الحركة المسرحية في تونس على امتداد مائة سنة /1909 -2009/ حضورا متواصلا للمراة ولئن اتسم بالتواضع في البداية الا ان طموحها الفني لم يثنها عن تثبيت خطاها في مجال الفن الرابع. فرغم التقاليد الاجتماعية التي قيدت المرأة في فترة ما قبل الاستقلال فقد كانت موجودة الى جانب الرجل حيث انضمت عائشة الصغيرة وزبيدة الجزائرية الى اول جمعية مسرحية تونسية سنة 1910 والتي اطلق عليها اسم /الشهامة الادبية/ وترأسها انذاك علي عبد الوهاب. ولم يكن انتشار الامية وضعف المستوى المعرفي للعنصر النسائي في تلك الفترة عائقا امام اقتحام المراة للساحة المسرحية اذ كانت فضيلة خيتمي /1900 1992/ أول امرأة تنشىء فرقة مسرحية سنة 1928 كما حرصت شافية رشدى على تلقي تكوين في ميدان الفن الرابع لتساهم في توسيع مشاركة المرأة في المسرح وفي الاربعينات بادرت بتأسيس فرقة خاصة مع نخبة من الممثلين عرفت ب/الكوكب التمثيلي/. وبقي المسرح يفتقر للعنصر النسائي الى حدود الخمسينات الامر الذى دفع المنصف شرف الدين الى تأسيس فرقة /المسرح الحديث/ سنة 1959 ليفسح المجال امام المرأة لابراز طاقاتها الابداعية في ميدان التمثيل فقدمت الفرقة مسرحيتي /عيطة وشهود/ و/مدرسة الازواج/. ومن ابرز المسرحيين الذين ساهموا في تعزيز حضور المرأة في المسرح علي بن عياد الذى احدث منعرجا كبيرا في تاريخ المسرح واضفى موجة تحديث اتسمت بالابداع والاضافة على مستوى الاداء والتقنية واخرج عدة اعمال تميزت بحضور مشع للمرأة على غرار مسرحيات /مدرسة النساء/ و/عطيل/ و/الماريشال/ و/البخيل/. وقد مثلت تجربة علي بن عياد فرصة اسهمت في نفاذ المراة التونسية لفضاء التمثيل وخوضها التجربة المسرحية وقبول الجمهور لها على خشبة المسرح. ومنذ ذلك الحين تعددت التجارب المسرحية النسائية وابرزها تجربة كل من جليلة بكار ورجاء بن عمار وناجية الورغي وزهيرة بن عمار ووجيهة الجندوبي وليلى الشابي وفاطمة بن سعيدان وغيرهن. وقبلهن ظهرت عدة شخصيات فنية كحبيبة مسيكة/1893 1930/ التي مثلت لاول مرة سنة 1911 مع فرقة /الشهامة الادبية/ والزهرة فايزة /1919 -1999/ التي ظهرت للمرة الاولى على خشبة المسرح سنة 1938 في دور صغير في مسرحية /الحياة حلم/ وهي من ابرز رائدات المسرح التونسي ومن مؤسسي المسرح الشعبي وكانت عنصرا فاعلا في جمعية الممثلين التي احدثت عام 1946 وتحصلت على الجائزة القومية للمسرح سنة 1986 ونصل اليوم الى الفنانات المعاصرات وابرزهن منى نور الدين التي بدأت مشوارها المسرحي سنة 1953 اثر التحاقها بجمعية النهضة التمثيلية بحمام الانف لتحمل اليوم في رصيدها اكثر من 70 عملا مسرحيا تقمصت فيها ادوارا مختلفة وتعاملت من خلالها مع المع وجوه الابداع المسرحي المعاصر في تونس كحسن الزمرلي وعبد العزيز العقربي وعلي بن عياد وتحصلت على الجائزة القومية للمسرح سنة 1984 وتدير منى نور الدين حاليا فرقة مدينة تونس للمسرح التي تعتبر من اعرق الفرق في بلادنا وتداول على ادارتها ابرز رواد المسرح على غرار حمادى الجزيرى وعلي بن عياد وهو مايكشف مراهنة المرأة التونسية على مستقبل المسرح ومشاركتها في بناء مكوناته منذ بداية ظهوره الى اليوم. وتمكنت الممثلة خديجة السويسي من اقتحام المجال المسرحي منذ سنة 1958 فمثلت مع شافية رشدى وهي في الثانية عشرة من عمرها في مسرحية /هند البربرية/ ثم التحقت بفرقة الكاف سنة 1966 بعد تخرجها من مدرسة التمثيل بالعاصمة سنة 1965 الى ان انضمت الى فرقة مدينة تونس للمسرح عام 1976 حيث شاركت للمرة الاولى في اطار هذه الفرقة في مسرحية /الحدث/. كما ساهمت كل من دلندة عبدو وخديجة بن عرفة وعزيزة بولبيار وناجية الورغي وسلوى محمد وغيرهن من الممثلات المعاصرات في اثراء المشهد المسرحي التونسي من خلال المشاركة في عدة اعمال مسرحية لقيت اقبالا جماهيريا واسعا. فرصيد الممثلات القائم حاليا في الساحة المسرحية يكشف شغف المراة التونسية بالفن الرابع وتوقها الى مواصلة المسيرة الفنية التي بداتها رائدات المسرح التونسي وتسعى الوجوه النسائية المسرحية اليوم في ظل ما تحقق للمراة من مكاسب على جميع الاصعدة الى ترويج صورة مشرفة للفن المسرحي التونسي لما يمتاز به من قوة في التعبير والايحاء. ويتجسم ذلك ايضا من خلال الاعمال المميزة التي اثرت بها نخبة من الممثلات التونسيات البارزات الساحة المسرحية على غرار امال سفطة ودليلة مفتاحي ولطيفة القفصي وزهيرة بن عمار ونعيمة الجاني وليلى الشابي. واكدت المراة كفاءتها الفنية في المجال المسرحي من خلال خوضها لتجربة الاداء الفردى اوالممثل الواحد حيث تتقمص عدة شخصيات ويتطلب هذا النوع من المسرحيات شروطا ركحية وجمالية وبراعة في الاداء للتحكم في مكونات العمل الدرامي وتحقيق المعادلة بين النص والحركة وشد انتباه الجمهور. وفي هذا السياق نذكر تجربة ليلى الشابي في مسرحية /راجل في حمام النساء/ وزهيرة بن عمار في /سنديانة/ ونعيمة الجاني في /علمني/ ووجيهة الجندوبي في /مدام كنزة/. ويبقى الفن الرابع من المجالات الابداعية الخصبة التي تتطلب العطاء والتميز وهو ما جعل فضاءات المسرح وجهة للمرأة التونسية المكبرة لقيمة الابداع والقادرة على تجسيم طموحاتها الفنية بكثير من الاصرار والموهبة.