ما تشهده البلاد من احداث ومن احتقان يطرح الحاجة الى توافقات الحل الأدنى... فلقد ظللنا لزمن نحلم احلاما كبيرة في أن نرى البرامج والرؤى والأفكار تتنافس... وان نرىرموز الطبقة السياسية يرتقون بالخطاب وبالممارسة ليصنعوا مناخا نقيا وليؤسسوا لتنافس نزيه وشفاف... وان نرى القيم الاخلاقية وأسس الحياة الديمقراطية تعلو وتسود... وظللنا نمنّي النفس بولادة يسيرة لدستور راق، تقدمي،ومتطور يضع البلاد في صلب الحداثة والتطور ويؤسس لحياة سياسية راقية لعشرات السنين... وبالنتيجة ظللنا نحلم بتجسيد التداول السلمي على السلطة كخلاصة للحياة السياسية القائمة على التعدد والاختلاف والديمقراطية... لكن يبدو أننا قد رفعنا سقف الآمال والطموحات الى مستويات أعلى مما يجب... بحيث بدت طموحاتنا وانتظاراتنا في واد وتفاصيل الواقع بما فيه من ايجابيات وسلبيات في واد آخر وهو ما بات يحتم علىكل الاطراف مراجعة هذا السقف... بل والتركيز على ضرورة وضع الاسس الصلبة التي عليها سنبني حتى نقي البنيان من مخاطر التداعي والانهيار المتربصة.
لا أحد ينكر أن خطوات هائلة قطعت في الاتجاه الصحيح... لكن آفة الحياة السياسية في الفترة الاخيرة هو هذه الاهتزازات المتكررة بما تحدثه من ارتجاج وما تطرحه من تساؤلات ومخاطر... حتى بات هذا المشهد مألوفا: كلما خال الشعب وخالت النخب السياسية أننا تقدمنا خطوات أوأشواطا، تأتي احداث ومستجدات تقذفنا خطوات الى الوراء وتطرح المزيد من الاسئلة الحائرة... وقد وصل الاحتقان حدّ اعتداء التونسي على أخيه التونسي في مشاهد محزنةولا تليق بتجربة ديمقراطية وليدة نريد لها ان تكبر وتتجذر.
ولأن حادثة تطاوين شكلت ناقوس خطر فإنه يجب على الجميع الانتباه... لأن نار الفتنةتبدأ بشرارة... ونار الفتنة قتل ودمار، بل وأشد من ذلك... ومتى اندلعت فإنه سوف يصعب احتواؤها واطفاؤها قبل ان تأتي على الاخضر واليابس.
لأجل ذلك، ليس أمامنا الا الحوار ثم الحوار وليس أمامنا الا التوافق ثم التوافق... حول حدّ أدنى من المبادئ والقيم والخطوط الحمراء التي لا تخلي ولا محيد عنها... وتبدأ بتحريم وتجريم العنف السياسي في كل اشكاله سواء كان لفظيا أو ماديا أو جسديا...والعمل على حصر قواعد التنافس عند قوة الحجة وليس عند حجة القوة مهما كان نوعها ومستواها ومأتاها. وعلى أساس هذه التوافقات يمكن أن نبني باقي الاستحقاقات... ويمكن أن نتقدم بثقة وثبات وبيقين أننا سوف لن نعود الى الوراء... ولن نضطر كل مرة الى وضع أيدينا على قلوبنا ونحن نرى استقرارنا يهتز ووحدتنا الوطنية توضع على المحك... فكلنا أبناء هذا الوطن... والوطن ملك لنا جميعا.