الحكومة المؤقتة باقية إلى ما بعد الانتخابات عمليا وحسابيا شهر يفصلنا عن انتخابات المجلس التأسيسي وهو موعد حاسم استعدت له جميع الأحزاب التي دخلت في المنعرج الحاسم عبر تقديم برامجها وتكثيف اجتماعاتها وتحركاتها ولقاءاتها بالجمهور. وان اختار البعض استغلال اسم حزبه وتاريخه النضالي فان حركة التجديد ذات التاريخ العريق والتي وضعت بصمتها منذ الاستقلال وحتى قبل ذلك في الواقع السياسي والنضالي التونسي اختارت دخول الانتخاب عبر تحالف اطلقت عليه "القطب الديمقراطي الحداثي"... حول هذا القطب وواقع البلاد السياسي والأمني والاقتصادي وحول الانتخابات والاستفتاء وغير ذلك كان ل"الصباح" هذا اللقاء مع السيد أحمد ابراهيم الامين العام لحزب "التجديد" والوجه الابرز في القطب الديمقراطي الحداثي.
السيد احمد ابراهيم، مازال يفصلنا شهر واحد على انتخابات المجلس التأسيسي، فهل ترون أن البلاد جاهزة حاليا لمثل هذا الموعد الهام؟ وهل ترون أن الجميع يعمل على إنجاحه؟
نحن في وضع من ناحية قطع مع الخوف ومع التعسف والقمع وفتح آفاق للمواطن كي يعبر بحرية ونريد أن تكون هذه الفترة فترة مواتية للتنافس بين المشاريع والبرامج في إطار الحوار المتمدن بعيدا عن كل التوترات والتشنجات في كنف الاستقرار والأمان. وهذا يفترض من جميع الفرقاء مجهود خاص ومسؤولية خاصة تدعم مصلحة البلاد أي مصلحة إنجاح هذا المسار الانتخابي والانتقال الى نظام جمهوري جديد يكرس قيم الدولة ويستكمل مهامها عبر الانتخابات. هناك وضع يغلب عليه الغموض وبالتالي هناك حاجة إلى توضيح معالم البرامج والمشاريع المتنافسة بعيدا عن كل عوامل الإرباك وحتى عوامل التلوث مثلما نشهده مع الأسف من تواصل ظاهرة الإشهار والمال السياسي حيث تعامل السياسة مع الأفكار والمقترحات وكأنها بضاعة عوض أن تكون مبنية على أساس نكران الذات والنظافة واحترام نضج المواطنة.
وهل تعتقدون ان الاتفاق الحاصل حول "وثيقة بن عاشور" سيكون بمثابة ميثاق شرف سيساعد على الانتقال الديمقراطي ويحقق اهداف الثورة؟
خطونا خطوة ايجابية بالاتفاق الذي حصل مؤخرا بين الأحزاب حول المسار الانتقالي وحول مدونة سلوك مبنية على الأخلاق وعلى نبذ التجريح ونبذ نزعات اتهام الغير والسب والثلب. الديمقراطية ليست مجرد آليات للحسم في من يكون اغلبي بل هي بالأساس ثقافة. نحن في فترة بناء وعلينا ان نتحلى ببعد النظر والجدية وهذا ما نعمل على ان نكون أوفياء له في ممارساتنا. نحن واثقون بان الشباب الذي اطاح بالدكتاتور في بضعة اسابيع دون تاطير من أي طرف سياسي قادر على ان يميز بين ما هو ايجابي للبلاد وما هو سلبي.
العديد من الأحزاب قدمت برامجها وأفكارها،فهل ترون أن تلك البرامج تلبي ما قامت من أجله الثورة؟ وهل أن تلك البرامج صادقة فعلا أم أنها مجرد طعم انتخابي؟
مع الأسف مختلف البرامج التي قدمت لم تجد الاطار الذي يسمح للمواطن بان يتابعها وان يشاهد نقاشات بينها.
تتوجهون باللوم إذا لوسائل الإعلام؟
ليس فقط لوسائل الإعلام،بل إلى الأمور الإجرائية وساحات النقاش.ففي كثير من الأحيان تبدو الساحة وكأنها ساحة صراع بين مصالح وبالتالي تغلب على البرامج في كثير من الأحيان نزعة إطلاق الوعود البراقة دون اعتبار الصعوبات الحقيقية وثقل التركة السلبية للنظام السابق والمطلوب هو الابتعاد عن تقديم الوعود من قبيل خلق 100الف موطن شغل في السنة. وهو وعد غير قابل للتحقيق. اليوم وفي هذه الفترة الحلول لن تأتي من حزب وحده او حتى من ائتلاف احزاب فالبلاد في حاجة الى بروز إرادة سياسية موحدة لبناء البلاد على اسس صلبة تاخذ بعين الاعتبار ان تونس لا تنطلق من عدم بل لها مكاسب واضحة كالتعليم وتحرير المراة وهي مكاسب عرّضها نظام الحكم التسلطي الى الهشاشة وهي الآن وبعد الثورة سوف تجد مناخا ملائما لتطويرها وتعزيزها فالذي ينتظره الشعب هو ان يكون النظام الجديد الذي سنبنيه معا ضامنا لاستمرارية تلك المكاسب وحمايتها من كل اشكال الاستبداد.
لكن تبدو الساحة السياسية اليوم وعلى الزخم الموجود في عدد الاحزاب، فضاء للجدل والتطاحن والمزايدات دون الاهتمام بالواقع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.
أضعنا الكثير من الوقت في الجدل العقيم والمزايدات والنظر في المصالح الحزبية الضيقة مما أعطى ثورة غير ايجابية للعمل السياسي ويجب ان نعيد للسياسة نبلها ونغلب مصالح الوطن على مصالح الأحزاب وطموحات الأفراد أي كانت مشروعيتها.فالمشهد السياسي في حاجة الى التبلور حول مشاريع كبرى. لذلك نحن في حركة التجديد نعتبر أنفسنا الحزب الوحيد المعروف بجديته ووطنيته الذي خير أن لا يخوض الانتخابات بمفرده بل دعا الى التحالفات بين التيارات المتجانسة في نظرتها.
لماذا اخترتم الدخول للانتخابات عبر تسمية اخرى" القطب الحداثي" عوض حركة التجديد وهو ما يمكن ان يدخل اللبس في ذهن الناخب وربما تفقدون بعض الاصوات جراء ذلك؟
القطب الحداثي ليس حزبا من الاحزاب بل طرافته انه جمع بين احزاب مختلفة وهي حركة التجديد والحزب الاشتراكي اليساري والحزب الجمهوري وطريق الوسط اضافة الى المبادرات الوطنية المكونة من مناضلين وشخصيات مستقلة مثل مبادرة المواطنة. الهدف من هذا الائتلاف هو ابراز ارادة وطنية تبني النظام الجمهوري الجديد وتستكمل اهداف الثورة وتكرس قيمها في كنف الحفاظ على المكاسب الحداثية ودعمها وتطويرها وتوسيعها.ورمز هذا التحالف هو النجمة التي نريدها ان تكون بمثابة النجمة القطبية والبوصلة التي تمكن من ايصال تونس الى بر الامان وتحقق الازدهار الوطني لصالح مجموع الشعب ومصالح كل الجهات وكل الفئات حتى لا يبقى أي تونسي واي تونسية على حافة الطريق.
لذلك كان القطب الديمقراطي الحداثي؟
نعم، فالقطب نمط نظام سياسي ونمط تنمية وفيه تعلق بالمكاسب الحداثية. لذلك نعتقد ان القطب الديمقراطي الحداثي هو مشروع واضح ومشروع واعد ورسالة تدعو الى توحد القوى الحية المؤمنة بالديمقراطية كثقافة مجتمعية شاملة وكمبادئ هي اليوم مبادئ كونية في تناغم مع النيّر والعقلاني والتقدمي في تراثنا العربي الاسلامي كل هذه القوى عليها ان تتوحد ونحن في إطار القطب الديمقراطي الحداثي نعمل على ذلك التوحد.
لماذا لم تسايركم الأحزاب الكبرى كالتقدمي والتكتل في أقطاب او لماذا لم نشهد قطبا يضم تلك الأحزاب الكبرى التي عملت معا في العهد السابق من اجل الحريات والديمقراطية؟
هذه من قضايا الارث السلبي نحن دعاة التحالف والتواضع وتغليب مصلحة البلاد على نزاعات الزعامة..كان من المفروض تكوين حركية موحدة والمجتمع سوف يفرز زعامات وان كانت قضية الزعامات قضية مفتعلة لأننا عشنا طويلا تحت أكذوبة القائد الأوحد والزعيم الأوحد. وهذا كله يدخل في ثقافة شاملة تترك جانبا مصالح الأفراد ومصالح الأحزاب لفائدة ثقافة مجتمعية واليوم نحن أمام مرحلة دقيقة وهي مرحلة بناء قواعد الجمهورية لان الانتخابات ليست انتخابات برلمانية او بلدية بل انتخابات مجلس تأسيسي يجب أن تكون راية الوطن فوق راية الأحزاب وفوق راية الأشخاص.
لم تجبني عن امكانيات التوحد بين الاقطاب السياسية الكبرى وخاصة مع نجيب الشابي او مصطفى بن جعفر
فترة ما قبل الثورة كانت تفترض التوحد وهذا التوحد والتحالف انجزنا منه الكثير سواء المبادرة الديمقراطية سنة 2004 او المبادرة الديمقراطية سنة 2009. كما تجمع الكل حول ترشحي للانتخابات الرئاسية بعد اقصاء نجيب الشابي، وساندها آن ذاك طيف واسع من الاحزاب والشخصيات منها مصطفى بن جعفر وقمنا بتكوين تحالف المواطنة والمساواة قبيل الثورة وكان هدفنا تغيير موازين القوى وكان من المفروض ان تكون هذه الحاجة الى التوحد اكثر الحاحا بعد الثورة لان البلاد في حاجة الى قيادات مسؤولة لذلك دعونا الى تحالف انتخابي واسع لكن احزاب كانت من المفروض ان تكون في هذا التحالف اختارت الدخول للانتخابات بمفردها في حين ان البلاد في حاجة الى التكاتف والتوحد.وهذا هو الهدف الوطني ونحن ناسف لعدم الوعي بخصوصيات هذه المرحلة وبقينا أوفياء لخطنا الائتلافي المجمع وهو ما تجسم في القطب الديمقراطي الحداثي ونبقى مقتنعين انه حتى بعد الانتخابات نبقى في حاجة الى بروز تحالفات.
ماذا قدمتم من اضافات في برامجكم الانتخابية؟
برنامجنا عبارة عن رسالة من اجل التوحد حول الاهداف الوطنية الاساسية من صياغة دستور ديمقراطي مبني على المواطنة ومبني على مؤسسات جديدة تقطع الطريق امام كل مخاطر اعادة انتاج النمط الاستبدادي وتضمن ممارسة الحرية وممارسة كل ما تقضيه المواطنة والممارسة الفعلية لحقوق المواطنة ومنها القيم والمبادئ الكونية المكونة للديمقراطية الحديثة والعصرية بما في ذلك وجود حقوق في مأمن من سطو الدولة والمؤسسات ودستور يضمن الكرامة والحقوق كالحق في التربية والصحة وبيئة سليمة... هناك مسالة المكاسب وهي جزء من هوية تونس المعاصرة من ضمنها المساواة الكاملة وغير المنقوصة بين المراة والرجل. ومن خاصيات القطب الديمقراطي الحداثي انه الطرف الوحيد الذي التزم بتحقيق التناصف بين الرجال والنساء بما في ذلك في رئاسة القائمات حيث ان نصف القائمات تراسها نساء لهن من الكفاءة والجدية ما يمكنهن من المشاركة حقيقة في النظام السياسي الجديد وصياغة الدستور الجديد والمشاركة الجدية وليس النظرية في فترة البناء. هناك جانب حداثي يتعلق ببناء اسس مجتمع متطور يقطع مع ما كان سائدا في النظام البائد. علما ان هذا القطب ليس قطبا موجها ضد أي كان بل متوجه ايجابيا الى البناء على اساس تطوير وتوسيع مكاسبنا الوطنية.
قلتم ان القطب ليس موجها ضد أي كان، ولكن افكاركم وطروحاتكم وحتى تاريخكم يبقى موجها ضد بعض الاطياف، وهنا يمكن ذكر حركة النهضة.
بطبيعة الحال الانتخابات تعني التنافس بين مشروع حداثي ودولة مدنية ومبادئ كونية فمن الطيبعي ان نكون في تناقض مع مشاريع اخرى توظف المعتقد والمقدس المشترك بين ابناء الشعب في خدمة مشروع سياسي مختلف تماما.لكن هذا التناقض لا يعني تطاحن ولا يعني عداء لان بلادنا تتسع لكل التيارات ونريد ان نكون مثالا للتعددية واحترام الآخر لكن في كنف الوضوح. وبالتالي يمكن القول ان هناك من ناحية مشروعا ديمقراطيا حداثيا تقدميا له جذور عميقة في تاريخنا وله ركيزة صلبة في هويتنا المعاصرة المتجددة ومن ناحية اخرى مشاريع غامضة لا تميز بين ما هو اجتهاد بشري ونسبي يخضع لمبدا الخطا والصواب وما هو مقدس لا يقبل لاحد ان يتحدث باسمه او يوظفه لاهداف سياسية وحضارية. نعتقد ان تلك الافكار التي تطرحها النهضة لا تدفع بالبلاد الى الامام بل فيها مخاطر الارتداد وتقويض المكاسب التقدمية التي حققها شعبنا في تواصل وتناغم مع حركة الاصلاح التونسية ومع كل ماهو مستنير وتقدمي في تاريخه.
وماذا عن أحزاب المال السياسي التي دخلت بقوة ووجدت لنفسها مكانة بين الاحزاب الكبرى؟
قبل الحديث عن هذا الطرف هناك طرف لم يستوعب ان تونس والثورة التونسية قطعت مع نمط الاستبداد والفساد أي هناك قوى مضادة متربصة ببلادنا مرتبطة بالنظام القديم وما اشرتم اليه من دخول المال كطرف مقرر هو عنصر تلوث لنبل الالتزام الوطني والالتزام بالقضايا الوطنية علاوة على ان هناك مخاطر استبداد اكثر عمقا أي اخضاع السياسة الى حسابات الربح وحسابات المال.وتضرب مبدأ تكافئ الفرص والابتعاد عن ظاهرة التعامل مع السياسة وكأنها بضاعة وما يعنيه ذلك من ضرب لمبدأ تكافئ الفرص والاختيار الحر والنزيه على أساس البرامج والمشاريع لا على أساس المال الذي لا نعرف من اين جاء ومن يقف وراءه.
هناك عودة للحديث عن الاستفتاء، فما موقفكم من هذا الموضوع؟
فيما يتعلق بالاستفتاء نحن عبرنا عن تحفظنا ورفضنا هذا المقترح لأنه جاء متأخرا ولأنه سيزيد عملية الانتخاب تعقيدا ولأنه سيدخل الارباك على المواطن والبلاد في مرحلة البناء، إذا كنا نتفهم انه من الضروري وجود سقف زمني وحد أقصى من الزمن للمجلس التأسيسي حتى تتفرغ البلاد لبناء النظم الأخرى. نحن قلنا أن ذلك يمكن أن يقع بالتوافق بين القوى السياسية وهو ما خطونا فيه خطوة هامة من خلال وثيقة بن عاشور التي أمضى عليها 11 حزبا واليوم مقترح الاستفتاء تجاوزه الزمن ونحن على بعد شهر من الانتخابات وعلينا أن نضمن ظروف انتخابات جيدة تسمح بالتنافس والبناء.
وما رأيكم في مقترح بقاء الحكومة المؤقتة لما بعد الانتخابات؟
فيما يتعلق ببقاء الحكومة المؤقتة،فعمليا وحسابيا فهي باقية في انتظار تنظيم السلط.فيما يتجاوز ذلك لسنا مع استباق الأمور لكننا متفتحون على كل الحلول التوافقية التي تضمن للبلاد الاستقرار وتعبر عن إرادة الشعب.في اطار حد ادنى من الضمانات والتواصل والاستقرار. لا يجب تسطير كل شيء بصفة مسبقة ونامل ان تكون نتائج المجلس التأسيسي داعمة لحظوظ بلادنا في الاستقرار المبني على الديمقراطية والذي يحد من التطاحنات والصراعات الحزبية. فيما عدى ذلك كل شيئ يستحق النقاش في اطار الرغبة التي نريدها واسعة في الوصول الى توافقات وطنية تنظر الى بعيد. لكن البديهي ان المجلس التأسيسي سيد نفسه وفي هذا الاطار هناك حاجة الى التحلي بالمسؤولية الوطنية والتفرغ في اقرب وقت الى معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لان جميع الحديث سياسي ونحن في حاجة الى توافقات وحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية خاصة إخراج الجهات الداخلية من وضع التهميش والمقاومة الناجعة للبطالة هما ضرورتان موضوعيتان فرضتهما الثورة وعلى القوى السياسية ان تبحث عن الحلول العاجلة.وكقطب نحن مع ميثاق وطني من اجل التشغيل وهو أمر ممكن غير البرامج الاخرى التي يقدمها البعض رغم أنها صعبة التحقيق.
أحمد ابراهيم حاول سابقا منافسة الرئيس المخلوع والترشح للانتخابات الرئاسية،فهل الطموح لايزال قائما لهذه الخطة؟
بصراحة هذه الفكرة لم تراودني ولن تراودني لانني قلت باختصار ان هذه المرحلة هي مرحلة بناء البلاد والابتعاد عن الطموحات الشخصية قدر الامكان. وترشحي السابق لم يكن مبني على أي وهم بل فقط فضح منظومة الاستبداد والفساد وتبيان ان ذلك النظام مهما بدى قويا وعاتيا ومتغولا الا انه كان كما قلته في الاجتماعات القليلة التي عقدتها انه كان عملاقا رجلاه من طين لانه نظام مبني على " الامنوقراطية" وكنت واعيا ان الانتخابات ليست نزيهة وستدلس لكن فقط اردت توجيه رسالة ان التونسيين والتونسيات قادرون اذا توحدوا وتجمعوا حول مطالب الديمقراطية والنظافة قادرون على عزل النظام الاستبدادي والفاسد وكانت تلك التجربة مساهمة مع غيرها من التجارب في تراكمات الوعي الذي ادى الى الانتفاضة الشعبية والاطاحة بالنظام الاستبدادي في بضعة اسابيع.