لقد ساندنا، من موقعنا المتواضع حركة نداء تونس، مذ كانت فكرة أوليّة في خواطر ثلّة من المنشغلين بالشأن العام، ثم «مبادرة» باسم السيد قائد السبسي، ثم حزبا قانونيا مستوفيا لشروط العمل السياسي، وكان المقصد الأول من ذلك، ومازال هو ترشيد الديمقراطية التونسية الناشئة بقدر من التوازن السياسي يخلص البلاد من الأحادية الحزبية التي يفضي استمرارها وجوبا إلى الاستبداد . وقد يجيء هذا التوازن من ثقلين : الثقل التنظيمي والثقل الفكري مركز الثقل التنظيمي هو أن هذا الحزب يمتلك ما به يكون جماهيريا بجملة القيادات المسيرة له، وهي قيادات تحظى بالاحترام والإشعاع لاسيما السيد قائد السبسي الذي يختزل قيم الدولة التونسية اختزالا رفيعا، وهذا مما به يكون «النداء» قطبا ثانيا.
ومركز الثقل هو أن هذا الحزب تقوم فكرته الكبرى على الحداثة والتنوير والاعتدال والحفاظ على المكاسب المدنية التي راكمتها الأجيال في تونس بدءا، من الناحية السياسية الخالصة، بجيل الاستقلال الذي قاده الزعيم بورقيبة، وبهذه الفكرة الوطنية الكبرى تجتنب البلاد الإغارة على جوهرها المدني، فحركة «النهضة» مدعومة بمتمماتها السلفية لم تنفك، وإن بمناورات مكشوفة عن الحرص المتشدد على وضع البلاد تحت طائلة الخط الإخواني الوهابي الوافد علينا من لعنة «البدع» المشرقية الولوعة بالتشظي الشعبي والمذهبي والعرقي.
لكن الذي تأكد اليوم هو أن حركة النهضة لم تستطع أن تكون خلاف ماهي لم تستطع أن تحافظ على الدثار الديمقراطي الذي تزيّت به على كره وعلى اصطناع ظرفي. لم تقو على قبول أن يظهر لها في البلاد منافس جدي لا يناصبها العداء، لكنه لا يخفي أنه مخالف لها مخالفة ديمقراطية يفوض لحسمها الشعب الناخب وقد تدرجت حرب «النهضة» على هذا الحزب المولود قويّا.
فجربت التشويه لقياداته بشتى الطرق، فلم يسايرها إلا أتباعها لأن عامة الناس يعرفون من هو السيد الباجي ومن هو أستاذنا الطيب البكوش ومن هو السيد رضا بلحاج ومن هو السيد القروي الشابي إلخ...
ثم تدرجت النهضة إلى «إفساد» أنشطة «النداء» في الجهات إفسادا جمع بين العنف السياسي والعنف المادي «المدروس» على نحو ما جدّ في صفاقس ثم تدرجت إلى العنف الخالص على نحو ما جدّ في قليبية ثم كان العنف الأقصى بجريمة القتل في تطاوين. إن المرحوم لطفي نقض هو شهيد فعلا، لقد دفع حياته وتيتم أبناؤه الستة وترّملت زوجته في سبيل فكرة سياسية وطنية وإننا شخصيا وحزبيا : نتقدم بأصدق التعازي إلى أسرة الفقيد، راجين أن يلهموا التصبر على المصاب نتقدم كحركة نداء تونس بالتعزية والمساندة وشدّ الأزر. نندد بهذه الجريمة، ونحمل الأمن والقضاء مسؤولية التتبع القانوني النزيه للجناة المباشرين وغير المباشرين لاعتقادنا أن هذه الجريمة مسبوقة بتدبير سياسي، تجسمه خطة تدرج على نحو ما ذكرنا، لاسيما أن لهذه الجريمة توابع حرق لمنازل ناشطي نداء تونس في أكثر من جهة. إن هذه الجريمة تثبت أن خطة الاغتيال التي كانت مبرمجة للسيد قائد السبسي، والتي عرضها السيد لزهر العكرمي، كانت فعلا. ولم تكن إشاعة كما حاولت «النهضة» عبثا نشرها بين الناس. ندعو حركة «النهضة» وتوابعها السلفية وغير السلفية إلى تحكيم العقل، وإلى الاعتراف بهذه الجرائم، وإلى الاعتذار للشعب وللمتضررين وإلى التعهد باحترام المنوال المجتمعي التونسي واحترام قواعد العمل السياسي الديمقراطي. لقد أبدت جهات أجنبية تبرمها مما يجري في تونس، لاسيما أنها، ولأسباب عديدة وجيهة، معنية به، لانودّ الدخول في ذلك النفق الفظيع، نفق الاغتيالات وإرباك السياق الإقليمي والدولي الذي لن يبقى طويلا مكتوف الأيادي، لقد قال أحد قياديي «النهضة» المنسلخ عنها : إن الشيخ الغنوشي سيدمر البلاد هل هذه هي البداية؟