تمرّ اليوم 23 أكتوبر، الذكرى الاولى لأول انتخابات شفافة وديمقراطية في تاريخ تونس الحديث والمعاصر، في مناخ من التوتر الاجتماعي والسياسي وحتى القانوني، فما هي المؤشرات على التوتر القانوني؟ أخطر الأسئلة، وأكثرها تعقيدا، هو هل أن عمر المجلس الوطني التأسيسي لا يجوز أن يتجاوز السنة مثلما حدّد ذلك الأمر عدد 1086 لسنة 2011 أم أن عمر المجلس تحدّده مهامه ووظائفه باعتباره سلطة أصلية؟ وهل للمجلس التأسيسي السلطة المطلقة في المسألة التشريعية؟
نحن أمام وجهتي نظر، الأولى تطالب بانهاء أعمال المجلس الوطني التأسيسي يوم 23 اكتوبر باعتبار تنصيص الأمر عدد 1086 على ذلك والثانية، تعتبر أن التنظيم المؤقت للسلط العمومية، أو ما يعرف بالدستور الصغير يلغي ما ورد بالأمر ويعطي السلطة الأصلية للمجلس الوطني التأسيسي الذي ينتهي وجوده بمجرّد انتهاء مهامه.
آجال مفتوحة
الاّ أن ما يمكن ملاحظته، أن هذه المهام لم ترتبط بآجال، وبذلك فهي تظل مفتوحة، اضافة الى ذلك، فإنه بالرجوع الى الانتخابات نفسها التي انتجت المجلس التأسيسي الذي انبثقت عنه الحكومة المؤقتة ورئيس الجمهورية المؤقت، والتي أجريت يوم 23 أكتوبر 2011، تمّت على ضوء الأمر عدد 1086 لسنة 2011 المؤرخ في 3 أوت 2011 والمتعلق بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي وقد تمّت وفقا للإجراءات التي تضمنها المرسوم وقد تضمّن الأمر 7 فصول تمّ فيها الالتزام بستة فصول متعلقة كلها بالاجراءات وآجال التسجيل، إلا أن المشكل تعلق بفصل وحيد وهو الفصل السادس الذي ينصّ على أنه «يجتمع المجلس الوطني التأسيسي بعد تصريح الهيئة المركزية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنتائج النهائية للاقتراع ويتولّى إعداد دستور البلاد في أجل أقصاه سنة من تاريخ انتخابه». المشكل في فقرته
والحقيقة أن المشكل لم يكن مع الفصل برمّته، بل مع الفقرة الأخيرة من هذا الفصل وهي آجال إعداد الدستور، إذن يمكننا أن نقول إن المرسوم برمّته لم يمثل مشكلا بالنسبة الى الجميع، بل إن الفقرة الأخيرة هي التي تضمّنت كل المشكل.
لكن بالرجوع الى القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011 المؤرخ في 16 ديسمبر 2011 والمتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية، فإن الفصل 27 منه في فقرته الثانية ينصّ على أنه «ينتهي العمل بكل القوانين التي تتعارض مع هذا القانون التأسيسي وبالمرسوم عدد 14 لسنة 2011 المؤرخ في 23 مارس 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية وتبقى النصوص القانونية التي لا تتعارض مع هذا القانون التأسيسي سارية المفعول.أيّ تعارض ؟
فهل يتعارض الأمر 1086 مع التنظيم المؤقت للسلط العمومية؟ أو بعبارة أدقّ هل تتعارض الفقرة الأخيرة من الفصل 6 من المرسوم 1086 مع ما يسمّى بالدستور الصغير؟
إذا نظرنا الى التنظيم المؤقت فإننا سنجده يحدّد العديد من المهام للمجلس الوطني التأسيسي من بينها إعداد الدستور وبناء مؤسسات وقد حدد التنظيم للمجلس الوطني التأسيسي مهامه حصريا دون آجال وبالتالي تنتهي آجال وجوده بمجرد انتهاء مهامه، مهما كانت المدة الزمنية على الاقل نظريا.
انتهاء الشرعية
وبالتالي فإن تنصيص الفصل 6 من الامر 1086 على مدة زمنية لإنجاز الدستور لا يعني التنصيص على مدة زمنية لعمر المجلس التأسيسي لأن المرسوم أعطى مهلة لإنجاز مهمة من بين مهام المجلس وليس كل المجلس وبالتالي فإن المرسوم بهذا المعنى يتعارض مع التنظيم المؤقت فيلغيه، هذا بالاضافة الى المسألة متعلة بأمر، وهو الامر عدد 1086 والأمر يختلف عن المرسوم فهو جاء لدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي وبالتالي فإنه عندما يضع حدّا زمنيا بسنة لانجاز ابرز مهمة للمجلس التأسيسي يكون الأمر قد صدر في غير اختصاصه وتجاوز صلاحياته لكن إذا نظرنا الى المسألة من زاوية أخرى وهي إمضاء عدد من الاحزاب السياسية من بينها المشاركة في الترويكا، باستثناء المؤتمر من أجل الجمهورية وثيقة تحدد الفترة الانتقالية وإعداد الدستور بسنة هذا فضلا عن تصريحات أغلب السياسيين بضرورة الالتزام بموعد السنة لكن أمام عدم توصّل المجلس الوطني التأسيسي الى انجاز المهمة الاساسية التي وجد من أجلها وهي كتابة الدستور فإنه لا يمكننا الحديث عن انتهاء الشرعية لسببين الأول قانوني، اذ استطاع المشرّع ان يضع تنظيما يحدّد آجال وجود المجلس التأسيسي بالمهمة وليس بالمدة وهذا خطأ المعارضين منذ البداية، اذ كان عليهم عدم القبول، أما وقد أصبحت الحالة على ما هي عليه، فإنه لا يمكن الطعن بالقانون، والثاني سياسي واقعي وهو مطالبة الحزبين الممضيين على وثيقة تحديد المدة وهما النهضة والتكتل بضرورة الالتزام بوعودهما، وهو ما يؤدي بالخطاب السياسي في هذا الباب الى مستواه الاخلاقي، أي أخلاقيات الالتزام مع بقية مكونات المشهد السياسي.
الالتزام بالوعد
وعليه، فإن حل الاشكال ليس في التشكيك في شرعية المجلس الوطني التأسيسي او التنظير الى الفراغ، بل هو في ايجاد الصيغ السياسية لامكانيات الازمة وهذا ليس فقط دور الأحزاب والنخب السياسية التي كشفت في جزء منها عن عدم وعي سياسي بالمرحلة وعن عدم تفريق بين السلطة والدولة. اذ عندما يمتزج الاثنان، يكونان في خطر، فالمساس بالسلطة أمر يمكن فهمه أما تهديد أسس الدولة فهو ما يعني المساس بالإطار الذي يجمع الجميع، انه الوطن على السياسيين ومكونات المجتمع المدني التونسي تقديم الحلول الملائمة التي تجيب عن الاسئلة والمناهج التي طرحتها الثورة، حتى يتمكنوا من تلبية ما وعدوا به جميعا وهو الوفاء لدماء الشهداء وتضحيات الآلاف من أبناء هذا الشعب.